تابعت منع الكاتبة بدرية البشر من دخول الكويت لتوقيع كتابها المميز «تزوج سعودية» في فعاليات معرض الكتاب السنوي، ووجدتها فرصة ذهبية لكي أخرج مخزون التقدير الذي كمن بداخلي تقديرا لهذا الكتاب، والذي قرأته قبل شهور. وأظن أن السلطات الكويتية ستراجع نفسها بعد انتهاء الانتخابات وتوقف المظاهرات المتجددة.والغريب أنى تخيلت الكاتبة والأكاديمية السعودية تقف أمام نافذة بمطار الكويت وأسفل لافتة كبيرة جدا كتب عليها «خاص بمواطني دول مجلس التعاون الخليجى» ثم يرفض منحها الإذن بالدخول، بينما أجد نفسي خلال زيارتي إلى الكويت أخيراً لأسوق لمؤلفاتي المسرحية، أقف في طابور طويل يضم العمالة الآسيوية الرخيصة على حساب العمالة العربية التي تريد التقدير من الأشقاء في الخليج! لكن.. عادت بدرية أدراجها ودخلت أنا الكويت ومعي هاتفى المحمل عليه كتاب «تزوج سعودية»، والنتيجة أن شخصها منع ودخلت أفكارها وكتابها مع كل إنسان مهتم بالجديد والمميز من المؤلفات الحديثة. رافقنى الكتاب حتى عدت إلى القاهرة وما زلت أعيد قراءته، وأجلس وسط عملي بالتليفزيون المصري أتصفحه من جديد ويثير خيالي وضحكاتي، فألفت انتباه زملائي وأخبرهم بالأمر وأحثهم على قراءة بدرية البشر عبر مؤلفها «تزوج سعودية» وغيره ومقالاتها التي تنشر في الصحف العربية. منذ اللحظة الأولى وأنت تقرأ مقدمة "تزوج سعودية" تجده كتاب سرد من القلب بقلم رشيق، كأنه صديق تعرفه سلفاً يجلس بجوارك ، كما تقول بدرية فى مقدمتها: «هذا الكتاب سيجلس على المقعد المجاور لك، وستلوح الشمس أوراقه، لكنه سيسعد بأنه جلس معك، رابطا حزام الأمان ، مستمتعاً بتأملك وأنت تحاور نفسك مرات وترد عليه مرة، ربما تكون واحدة، لكنها تكفى». ذكرني الكتاب بالمؤلف الأشهر للدكتور:جلال أمين، «ماذا حدث للمصريين؟» وقد حلل المجتمع المصري عبر العقود الأخيرة، وسجل الظواهر الجديدة التي أثرت على تماسكه وخصائصه المميزة، وهكذا فعلت بدرية في كتابها وكأنها أرادت أن تقول: «ماذا حدث للسعوديين؟» ونلاحظ ذلك عبر عشرات العناوين التي ضمها الكتاب مثل «كبسة» و«الخادمة أولاً» و "السيدة هيه" و«شتائم فاخرة» و«تبونا نصير مثل الغرب» و«فوبيا العرس» و«فوبيا الخلع» و«خرير الفواتير». ولو تفحصت ما كتبت بقلمها الذي يشبه الفراشة التي تتنقل في حديقة بين الزهور المختلفة، وتمتص رحيقها وتضع خلاصته في مقال مميز، وهو قلم يشبه لحد كبير أسلوب الكاتب الأشهر أنيس منصور، بسلاسته وببساطته المفرطة. فنجدها تتحدث عن المجتمع السعودي في صلبه ويتجلى ذلك في العنوان: "الخادمة أولاً» وكتبت على لسان سيده سعودية: نتحول إلى أيتام حين تسافر خادمتنا ولا نجد أكلاً في البيت نأكله وغيرهن يقلن «أنجبي الأطفال، طالما أنعم الله عليك بالخدم». أما النقاط المفصلية في الكتاب تتجلى في العناوين «تزوج سعودية» و"لا تتزوجي سعودياً" وأجدها تحلل وضع المرأة السعودية بشكل دقيق وتسرد الأمثلة لتقرب لذهن القارئ معضلته الإنسانية، وكتبت: أكثر ما لفت نظري في قضايا الزواج والطلاق لدينا، أن معارض السيارات فى بلادى لديها تنظيم قانونى أفضل مما لدى المحاكم فك قيد النساء من العنف، ففي حين لا يستطيع الرجل أن يستأجر سيارة أو يشتريها ويستخدمها ولو شهراً، فأنه لا يمتلك الحق بأنه يقف فوق رأس البائع صائحا بوجهه رجع لى فلوسى كاملة، بينما يستطيع كل رجل أن يفعل ذلك بزوجته، يستطيع أن يضربها ويولد منها العيال، ثم يقول للقاضي إذا ما اشتكت منه إنه ليس لديها سوى صيغة طلاق الخلع، فقد وجدت مجتمعاً يتعاطف مع الجلاد وليس الضحية". وتختم بدرية البشر كتابها بنصيحة - وقد كتبته بقلم المحللة الاجتماعية التي تجلس وسط بيتها ومجتمعها ، وتحاوره بلغته العامية التي تدخل العقول والقلوب، ويلاقى قبولاً في المجتمع السعودي على خلاف طبقاته الاجتماعية والسياسية التي تقول هيئته الحاكمة في خطبها "إننا دولة سلفية"، هاربة من اللغة المقعرة الفاقدة للإحساس أو الدباجة السياسية وخصوصاً الشيعية التي تدعو للإصلاح والتي تنشر في الصحف العربية وخصوصاً اللبنانية فلا تجد قبولاً واسعاً لدى القارئ السعودي- وتقول في صفحة 267 "قلت للرجل تزوج سعودية، فالأمر لن يكلفك أكثر من سيارة بل أقل، لكن اسمحوا لي أن أقول للسيدات اللواتي طلبن منى أن أرشدهن للحل بنصحهن..لا تتزوجي سعودياً". خالد السيد وهدان - كاتب مسرحي مصري. [email protected]