بالأمس القريب كان المصريون منغمسين تماماً في متابعة صراع محموم لدوري كرة القدم وصعود فرق إلى أدوار قبل نهائية وهبوط أخرى إلى القاع وتحليل اللقاءات المهمة وتبرير فرص الأهداف الضائعة وتفنيد الهجمات المرتدة وشرح الضربات الركنية وفضح التسلل والتهليل للعبة الحلوة والدعاء على اللاعب الذي أضاع الفرصة الذهبية والدعاء له في حال أحرز الهدف بقدمه الذهبية. واليوم انغمس المصريون تماماً حتى أوشكوا على الغرق في متابعة صراع لدوري آخر محموم، لكنه هذه المرة دوري أقرب ما يكون إلى الدرجة الثالثة الذي وجدت فرقه نفسها فجأة مصعّدة إلى دوري الدرجة الأولى للمنافسة على لقب «بطل الأبطال». صراع المليونيات بين معارضة لقرارات الرئيس ودستور الجماعة وحلفائها وأخرى مؤيدة تتراوح بين مقتنعة بأفعاله أو مطيعة لأوامر التظاهر والاحتشاد بغض النظر عن الفحوى، يستعر منذ فترة في أنحاء المحروسة، وهو ما أهلها لتحترف ما يمكن تسميته بدوري السلطة بين الثورة والجماعة في مصر. وبدت مصر أمس وكأنها في أوج مباريات الدوري المتصارع على تحقيق لقب «بطل الأبطال» ولكن الفرق المتصارعة استعاضت عن الساحرة المستديرة بالفتنة الحقيرة، وهو ما أدى كذلك إلى تغيير قواعد اللعبة برمتها، إذ تم فتح الباب أمام استخدام كل ما يمكن استخدامه من أدوات وأسلحة وألاعيب من شأنها أن تصيب مرمى الفريق الآخر. أبرز الفرق في الدوري الحالي وهو فريق «القوى المدنية أو الثورية» وبينما كان في مواجهة فريق «السلطة التنفيذية» سابقاً «جامع السلطات كلها» حالياً، فوجئ أثناء المباراة باجتياح لأرض الملعب من قبل فريق ثالث هو فريق «الشرعية والشريعة» والمرتبط تاريخياً بفريق «السلطات» الحالي. الخروج على قواعد اللعبة أثار الهرج والمرج، فلم يحدث في تاريخ الدوري من قبل أن حوت أرض الملعب ثلاثة فرق في وقت واحد. هذا الخرق تسبب في انتهاء المباراة بفوز فريق «السلطات كلها» معضداً بدعم فريق «الشرعية والشريعة»، فوزاً مادياً، وإن ظل الفوز المعنوي لصالح الفريق المدني الثوري. وخسرت مصر في هذه المباراة غير المسبوقة خمسة شهداء وما يزيد على 700 مصاب. هذه النتيجة الغامضة والملتبسة أهلت الفرق الثلاثة لمباراة العودة مجدداً. إلا أن هذا التأهل فتح الباب أمام مزيد من الخرق لقواعد اللعبة، فبدل أن يحتفظ الحكم - المتغيب عن أرض الملاعب أصلاً منذ بدء الدوري الحالي - بحقه في إنذار اللاعبين في حال خروجهم على قواعد اللعب، بادر فريق «القوى المدينة الثورية» إلى إخراج «البطاقة الحمراء» في وجه فريق «السلطات كلها»، وهو ما اعتبره الفريق المساعد «الشرعية والشريعة» تهديداً موجهاً إليه شخصياً، وهو الفريق الذي أخذ على عاتقه مهمة دعم فريق «السلطات كلها» سواء باجتياح أرض الملعب، أو بتكفير لاعبي الفريق الآخر، أو بالتلويح بإعلان نفسه حاصلاً على لقب «بطل الأبطال» من دون تكبد عناء خوض المباريات أصلاً. وفي سياق الاستعدادات للدور قبل النهائي، وكعادة الفرق المتنافسة، خرج مدرب فريق «كل السلطات» على الجماهير الغفيرة في شتى أنحاء مصر، بما فيها تلك التي لا تتابع الدوري أصلاً ليعلن أمامها أن الدوري مستمر في فعالياته، بما فيها المباريات التي خرقت قواعد الاتحادات الدولية والمحلية، وهو الإعلان الذي لم يفهمه كثيرون، سواء بسبب مفرداته اللغوية المكررة، أو الإسهاب في الجمل الإنشائية، أو لغة الحديث التي عادة لا يفهم طلاسمها إلا أبناء عشيرته والفرق المؤيدة له. وعليه، بادرت إحدى الفرق المتحالفة موقتاً مع فريق «السلطات كلها» ممن طال جلوس لاعبيها على «دكة الاحتياطي» إلى تقديم يد العون، وذلك بنزول معترك الدوري من خلال مباراة من شأنها كسر شوكة فريق «الفضائيات المرعب» وهو من الفرق المحسوبة على فريق «القوى المدنية والثورية». ومن ثم اختار فريق «حازمون» (أنصار المرشح السلفي المبعد من سباق الرئاسة حازم أبو اسماعيل) هجر «دكة الاحتياطي» والركض نحو مدينة الإنتاج الإعلامي لإقامة مباراة مؤيدة ل «الشرعية والشريعة» من خلال القضاء على فريق «الفضائيات المرعب». لكن شتان الفارق بين «الفضائيات المرعب» الذي يعتمد على الكلمات والحوارات، حتى وإن حادت عن الموضوعية أحياناً ومالت إلى الانحياز حيناً، وبين الفريق الذي قدم لمحاصرتها، والذي غير تغريدة العصافير على «تويتر» إلى زئير لملك الغابة، وهو ما تكتبه الحملة الشعبية لنصرة وتأييد أبو إسماعيل على حسابه على «تويتر»: «شتان الفارق بين التغريدة وبين زئير الأسد. إنه الشيخ حازم صلام أبو إسماعيل». «مصر القوية» بقيادة الإسلامي المعتدل عبدالمنعم أبو الفتوح فريق آخر وجد نفسه مجبراً على هجر «دكة الاحتياطي» نفسها التي طال جلوسه عليها، فتوجه إلى تشجيع فريق «القوى المدنية والثورية» وإن كان على استحياء رافضاً النزول إلى أرض الملعب. تتعدد أراضي الملاعب في مصر هذه الأيام. مباريات هنا وهناك. دوري مليونيات ومسيرات واعتصامات وقتل وحرق من دون هوادة. اللعب مستعر والجميع يراقب ويحلل. هناك من ينخرط في تأييد هذه الفرقة والتنديد بأخرى. وهناك من يدير التلفزيون ويكاد يتقيأ لرداءة اللعبة. فريق يلعب رافعاً شعار «اللعب بما لا يخالف شرع الله» وآخر يرتدي قميص «الشرعية الثورية» وآخر ترعاه مؤسسات «الشريعة قبل الشرعية» ورابع سمح لنفسه برفع بطاقات الطرد والإنذار بعدما اختار الحكم أن ينخرط في اللعب. فغاب التحكيم، وسيطرت الغوغائية، واستحق الدوري مسمى «دوري حرق الوطن».