تحتفل قناة «فرانس 24» بعامها السادس، وهو حقّ لها نظراً لما أمكنها من تحقيقه خلال هذا العمر القصير، ما جعلها في قائمة «المُفضّلات» لدى كثيرين من المشاهدين، في مشرق العالم العربي ومغربه، حتى لو كان قسط واسع من هذا الجمهور العربي من غير «الفرانكوفونية» لغةً وثقافةً وتوجّهات. في غمرة احتفالاتها، تقدّم «فرانس 24» نفسها قناةً شابةً، في السادسة من العمر، وتجترح أشكالاً متعددة للاحتفاء بهذه المناسبة، ولو جعلت بعض مذيعيها ومذيعاتها يغني على الشاشة، وإن كان هذا يتناقض، في شكل أو آخر، مع الصورة الوقورة، النمطية، التي تنبغي لمن يتولّى تقديم نشرات إخبارية، وإدارة برامج حوارات على مقدار من الجدية، وربما الصرامة، الاحتفاظ بها. من الممكن لكثيرين من المشاهدين الوقوع في وهدة المفاجأة، عندما ينتبهون أن هذه القناة لم تقطع من السنوات، بعد، إلا قليلاً. فمنذ انطلاق ما اتفق على تسميته «موسم ربيع الثورات العربي» بدا واضحاً، وإن بشكل تدريجي، أن قناة «فرانس 24» تتقدّم بدأب لتأخذ حصتها الوافية من الاهتمام. حاذرت، هذه الشاشة الزرقاء، الغوصَ في طين مستنقعات الإعلام العربي، وتحاشت كثيراً من ممارسته الفاضحة، وحاولت النأي بنفسها عن الأساليب الشائعة في كثير من القنوات التلفزيونية العربية، ومالت إلى السلاسة المأثورة عن اللغة والثقافة الفرنسية، ومع ذلك لم تنجُ من اتهامات طاولتها... تارة بسبب سياسات الحكومة الفرنسية إبان رئاسة ساركوزي، وطوراً بسبب بعض المواقف الإعلامية التي فُهمت واستُنبط مؤداها من طرائقها في تحرير الأخبار، أو من خلال صياغتها بعض التقارير الميدانية، وإجراء حوارات ولقاءات، تلك التي فُهمت في النهاية واحتُسبت بناء على القاعدة العربية الأثيرة؛ ضد أو مع! ربما يمكن القول، من دون كثير من المبالغة، إن قناة «فرانس 24» هي إحدى أنجح القنوات الغربية الناطقة بالعربية، والمُوجَّهة إلى العالم العربي، بخاصةً إذا جرى النظر إليها قياساً إلى ما أمكن لقنوات من طراز «بي بي سي عربية» البريطانية، أو «الحرّة» الأميركية، و«روسيا اليوم»، وحتى «العالم»، و«سكاي نيوز عربية»، وغيرها. ثمة تمايز يُحسب هنا، سواء على مستوى الهوية البصرية التي أخذتها «فرانس 24» لنفسها، من خلال اللون والغرافيك والفواصل الموسيقية، أو من خلال اختياراتها لمذيعيها ومذيعاتها، ممن يحسنون الإطلالة الهادئة والأداء الواثق واللغة المتمكّنة، من دون أن ننسى قصة مخارج الحروف ذات النبرة الخاصة التي تصنع جاذبيتها. إن اتساع قبول القناة الفرنسية هذه، مقابل محدودية قبول القنوات البريطانية والأميركية والروسية والإيرانية، لا علاقة له بموضوع المواقف السياسية لهذه الدول، فقط، وإنما أيضاً بسبب الجوانب المهنية والاحترافية... مهارة الأداء... وجمال الإطلالة.