تشهد أسواق المال في المنطقة نشاطاً إضافياً ملحوظاً خلال كانون الأول (ديسمبر) من كل عام لعوامل وحوافز يأتي في مقدمها قرب انتهاء السنة المالية المتلازمة عموماً مع العام، واعتياد المحافظ الاستثمارية، الخاصة بكبار المستثمرين من الأفراد أو الشركات، على إعادة ترتيب استثماراتها في نهاية العام استناداً إلى نتائج الشركات المساهمة عن الشهور التسعة الأولى من العام والتي تُعلَن عادة خلال تشرين الأول (أكتوبر) وتشرين الثاني (نوفمبر)، فتلجأ المحافظ إلى بيع أسهم الشركات التي تشهد تراجعاً في قيم أرباحها التشغيلية لأسباب متعلقة بكفاءة الإدارة أو غير ذلك من الأسباب، وشراء أسهم الشركات التي حققت نمواً متواصلاً في مؤشرات أدائها ربحيتها بما يعكس كفاءة الإدارة التنفيذية ومجلس الإدارة. وتعطي أرباح الشركات عن الشهور التسعة الأولى من العام عادة مؤشرات أولية عن توقعات أداء الشركات عن العام بأكمله، ويعتمد بعض المستثمرين على التوقعات التي تنشرها بعض المصارف والشركات الاستثمارية نهاية كل عام عن ربحية الشركات المدرجة، خصوصاً منها الأكثر شعبية بين المستثمرين والتي تستحوذ على حصة مهمة من تداولاتهم وتداولات المضاربين. ويُعتبَر قرب فترة توزيع الأرباح السنوية من العوامل التي تحفز الطلب في أسواق المال، خصوصاً من قبل شريحة المستثمرين في الأجل البعيد والذين يعتمدون على هذه التوزيعات في تسديد نفقاتهم والتزاماتهم المالية. ويبادر بعض المستثمرين إلى توظيف جزء من أرباحهم السنوية الموزعة في شراء أسهم شركات واعدة، وتُوزَّع الأرباح السنوية للشركات بين شباط (فبراير) وآذار (مارس) من كل عام، أي أن الفترة الباقية على التوزيع لهذا العام تتراوح بين ثلاثة وأربعة أشهر فقط. وأدى الانخفاض الكبير في أسعار الفوائد على الودائع، سواء بالدولار أو بالعملات العربية المرتبطة به، إلى منافسة بين التوزيعات السنوية للشركات وإيرادات الودائع، إذ يصل متوسط ريع أسهم الشركات المدرجة في أسواق المال الإماراتية، مثلاً، نحو 5.5 في المئة، بينما يبلغ سعر الفائدة على الودائع بالدرهم الإماراتي أو الدولار نحو 1.5 في المئة في ظل تراجع أخطار أسواق المال بالنسبة إلى المستثمرين في الأجل البعيد. ويلجأ بعض الشركات المساهمة العامة إلى بيع جزء من محافظ الأسهم التي تملكها أو تسييلها بعد تحقيقها أرباحاً رأسمالية ناتجة عن الفارق بين سعر الشراء وسعر السوق، وذلك نهاية العام عادة، بهدف تحقيق أرباح فعلية وليس أرباحاً دفترية، فالأرباح الفعلية تظهر في قائمة أرباح الشركة نهاية العام وبالتالي تساهم في زيادة التوزيعات على المساهمين. وفي المقابل ترتفع قيمة المكافآت التي تحصل عليها إدارات الشركات المساهمة والمرتبطة بنسبة نمو الأرباح الإجمالية، بينما تُحوَّل قيمة الأرباح المحققة من الاستثمارات غير المباعة إلى حساب حقوق المساهمين أو الاحتياطات، ويطلَق عليها أرباح دفترية. ويؤدي هذا البيع عادة إلى ارتفاع قيمة التداولات في الأسواق. قد تؤثر الظروف الجيوسياسية الاستثنائية التي تمر بها المنطقة في حركة الأسواق وأدائها خلال هذا الشهر في شكل مخالف للتوقعات، فهناك، مثلاً، موجات التراجع التي تشهدها البورصة المصرية نتيجة الأوضاع السياسية غير المستقرة في بلادها، فيما تتعرض بورصات الأردن والكويت والبحرين إلى تذبذب واضح في مؤشراتها نتيجة الأوضاع السياسية الاستثنائية في بلدانها أيضاً. * مستشار لأسواق المال في «بنك أبو ظبي الوطني»