مهما مضى من أعوام على برنامج «العلم والإيمان للعالم» للدكتور مصطفى محمود، رحمه الله، يظل لها بريق وتميز، ولا يوجد برنامج في مستواه أو بديل له حتى الآن، ولهذا أتابعه بقدر الإمكان، وأستمتع كثيراً بأسلوبه الراقي، علاوة على الفائدة الكبيرة التي يجنيها المشاهد، وآخر الحلقات التي عُرضت كانت بعنوان «المطر»، وقد يبدو عنوانها عادياً، لكن المضمون كان ذا قيمة كبيرة فعلاً... ولذا أحببت مشاركتكم فيه. لقد استهل كلامه بالحديث: كل شيء في انتظار المطر لأهمية الماء فهو أكسير الحياة ومادتها، كما قال تعالى: (وجعلنا من الماء كل شيء حي)، وقال: إنه لا يوجد كائن حي واحد يستطيع العيش من دون الماء، وأضاف بأنه توجد أنواع من البكتيريا يمكنها العيش بلا هواء، لكنها لا تستغني عن الماء! وسأختصر بعض ما قاله على شكل نقاط: - الماء سائل عجيب، لا يعرف قيمته إلا العطشان، حتى لو كان إمبراطوراً غنياً يبيع ملكه كله لأجل شربة ماء. - الماء السائل الوحيد الذي يوجد في حالاته الثلاث، سائل وصلب وغازي، في الوقت والمكان نفسهما، الكأس نفسها تجد داخلها ماء وثلجاً وخارجها بخار ماء متكثف. - الماء السائل الوحيد الذي يتمدد بالبرودة وينكمش بالحرارة، وحين يتجمد يخف وزنه، فيعوم فوق المحيط، ما يحافظ على الحياة فيه، وإلا تجمد كل المحيط ومات كل ما فيه. - الماء لديه خاصية الصعود لأعلى ضد الجاذبية في القنوات الشعرية للنبات، وإلا ما كانت عاشت النخلة التي يصل طولها أحياناً إلى 20 متراً. - الماء يكهرب كل المواد التي يذوبها ويحولها لأيونات سالبة وموجبة، وهذه خاصية خطرة، لأن الكيمياء العضوية واللاعضوية مبنية على ذلك. لهذا الماء له قدرة على الإذابة أقوى من موية النار وجميع السوائل الحمضية. - على رغم أن الماء لا لون له ولا طعم ولا رائحة، لكنه يعطي الطعم لكل شيء يذوب فيه. الماء خرج أصلاً من باطن الأرض، كما ورد في القرآن: (والأرض بعد ذلك دحاها، أخرج منها ماءها ومرعاها)، بعكس الفكرة الشائعة أنه نزل من السماء أولاً، وهذا ما توصل له العلم أنه في نشأة الأرض تفاعلت البراكين فخرج منها سحب بخار هائلة تبخرت للسماء، ثم نزلت للأرض في صورة سيول، وخلال مئات السنين كونت البحار والمحيطات، واحتفظت الأرض بالماء بخاصية الجاذبية الأرضية، وأصبحت المحيطات والبحار غلاية كبيرة حين تتعرض لأشعة الشمس تتبخر منها المياه، ثم تتكثف وتصبح سحباً تنزل الأمطار، فهي دورة مستمرة... وتظل كمية الماء ثابتة في الأرض تتبخر ثم ترجع لها مرة أخرى، وربما يكون الماء الذي تستحم به أنت اليوم هو نفسه الذي استحمت به أي شخصية تاريخية مشهورة. - خاصية في الماء، أنه يذهب مس الشيطان: (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجس الشيطان)، وكان فيه الشفاء لنبي الله أيوب (واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب، أركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب)... علاج بالماء وما أكثرالعيون المائية في الأرض التي يتعالج بها الناس. - صلاة الاستسقاء موجودة في جميع العقائد، لكن بطقوس مختلفة يلجأ فيها الإنسان لربه لطلب المطر، مطر بالطلب ينزل بإرادة الله. - (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام)، لم يقل عنده علم الغيث، بل هو من ينزله بأمره، لأن الله أعطى البشر بعضاً من علمه، وقد استطاع بعض العلماء عمل مطر صناعي بكميات محدودة. ولم يقل مطر ولكن قال: الغيث: من الإغاثة يختص بها الله ولا أحد يستطيع ذلك غيره... إنضباط وإحكام للكمية المطللوبة على قدر إحتياج الناس والحيوان والنبات من دون زيادة ولا نقصان. - المياه هي التي تصنع الطقس... والنسيم العليل الذي يهب علينا من جهة البحر. - خاصية عدم قابلية جزيئات الماء للضغط، بُني عليها علم الهيدروليك أو القوى المائية. - الماء راحة للعين والنفس، لذا حبب الله جنته لعباده بالماء (جنات تجري من تحتها الأنهار). وقد ذكره في القرآن (وأنزلنا من السماء ماءً طهوراً)، (ونزلنا من السماء ماءً مباركاً). - أما منتهى التشريف للماء قوله تعالى: (وكان عرشه على الماء)... فهل هناك قيمة أعظم. وكل ما ذكره دعمه بفيلم رائع عن الماء، كعادته في توثيق المعلومات التي يتحفنا بها. وحين يأتي ذكر الماء والمطر لا يسعني، وأنا من سكان مدينة «جدة» التي عانت ولا تزال بسبب الأمطار، ولا يزال التحقيق مستمراً في كارثة السيول التي تكررت عامين ومر عام ثالث، ومع الأسف لم نسمع للآن اسماً واحداً لشخص متهم، أو تمت محاكمته في هذه القضية. يبدو عندنا الماء أغلى من أرواح الناس الذين ذهبوا ضحيته عذراً... بل ضحية الفساد... الماء نعمة ربانية فلا تجعلوه نقمة... احبوا الماء مثل كل البشر فلا تجعلونا نكرهه. تحضرني أبيات من قصيدة «أنشودة المطر»، للشاعر بدر شاكر السياب: كَأَنَّ أَقْوَاسَ السَّحَابِ تَشْرَبُ الغُيُومْ وَقَطْرَةً فَقَطْرَةً تَذُوبُ في المَطَر... وَكَرْكَرَ الأَطْفَالُ في عَرَائِشِ الكُرُوم، وَدَغْدَغَتْ صَمْتَ العَصَافِيرِ عَلَى الشَّجَر أُنْشُودَةُ المَطَر... مَطَر... مَطَر... مَطَر...