أترك سيبويه في قبره وأقول باللهجة العامية اللبنانية: بدّي أعرف شو عمل المصريين حتى يتعاملوا بهاالطريقة؟ وباللهجة نفسها اسأل: شو عمل السوريين لربّهم حتى يتخلى عنهم؟ ولا أنسى نفسي وأسأل: أنا شو عملت لربي حتى يعاملني هيك؟ أنا لا أستطيع أن أعيش من دون مصر وسورية. كلاهما بلدي مثل لبنان وفلسطين والاردن. ومنذ أصبح عندي مرتب عالٍ وأنا اقتطع منه في الأزمات عشرة في المئة، مش خمسة، وأتبرع بها، من صبرا وشاتيلا سنة 1982 حتى قطاع غزة في 2009، وعندي تحويلات البنوك والزملاء الذين وجدوا المحتاجين وأوصلوا الفلوس اليهم، لذلك ارى انني استحق معاملة طيبة من فوق. وما كنت احلم بأن اكتب عن عمل خير لولا انني «راح طُقْ» وهذه عبارة لبنانية تعني انني أكاد أنفجر. كان لجدتي تعليق واحد على كل أمر عظيم، سواء أصاب الاسرة أو الوطن، هو «تخلّى»، والمقصود ان ربنا تخلى عن المصاب، ثم تبدأ الجدة الصلاة ليغفر ويعفو ويرحم ويعين. رأيي من رأي جدتي وأواجه كل مصيبة بالقول: «يا الله» ثم انظر الى اوضاع مصر وسورية والفلسطينيين وكل بلد عربي، وأقارن مع اسرائيل حيث هناك حكومة نازية جديدة تقتل الاطفال وأسراً بكاملها ولا يحاسبها أحد في الارض أو السماء. أنا مش أيوب. لا أستطيع ان أتحمل التجربة، وهذه الكلمة الاخيرة كانت مفضلة عند جدتي وتقول: «الله عم يجربنا» ثم تبدأ الصلاة. اليوم أبدأ الكتابة من دون ان اعرف أين ستقودني وأين سأنتهي. ما أعرف هو ان شعب مصر هو اطيب ناس، فالصديق صديق حتى الابد، ومع ذكاء ورغبة في العمل وخفة دم وبنات حلوين. اليوم كل مشكلة شكا منها الشعب أيام حسني مبارك زادت اضعافاً في ظل حكم الاخوان المسلمين، من تردي الاقتصاد الى زحام السير 24 ساعة في اليوم، الى غياب الامن بينهما. الجماعة على ما يبدو تنتظر ان يحل ربنا مشاكل مصر، ولكن جدتي كانت تقول كلاماً شعبياً عن عمل الله هو «قوم يا عبدي وانا اقوم معك». والمعنى قريب من «اعقل، ثم توكل». هناك من يقول لي اصبر على الثورة سنة أو سنتين أو خمساً حتى تنجح. بل سمعت من قال ان الثورة تحتاج الى جيل لتؤتي ثمارها. بدهم انتظر 20 سنة، وارجح انني بعد جيل اكون نسيت اسمي. في هذه الزاوية كتبت، تعليقاً على الخلاف بين نظام حسني مبارك والقضاة، انني قلت للأخ جمال مبارك ان القضاة هم الذين يقررون الخطأ والصواب، وان الحكومة لا تستطيع ان تقول لهم انهم اخطأوا لان من عملهم ان يسجلوا أخطاءها. اليوم الخلاف بين الرئيس محمد مرسي وقضاة مصر يفوق اضعافاً خلاف حسني مبارك مع القضاة قبل سنوات. الوضع في سورية أسوأ كثيراً حتى ان المقارنة لا تجوز. في مصر فشل الحكم على كل صعيد، ولكن في سورية قتل يومي وتدمير لم أتوقع مثله اطلاقاً، فبدء المشكلة (أزعم اللامشكلة) في درعا كان يمكن انهاؤه من دون إطلاق رصاصة واحدة. السوريون لا يستحقون شيئاً من هذا. أذكى رجال، أشطر تجار، أحلى نساء. قلب العروبة النابض؟ أراه قلب العروبة النازف. صغيراً كبيراً، لا أذكر سنة لم أزر فيها مصر أو سورية ثلاث مرات أو أربعاً. أعرف الناس فيهما من الرئيس والحكومة الى سائق السيارة، مع ألف صديق وصديقة هم أهلي في غياب الاهل. اليوم الاصدقاء المصريون أصّموا أذني بالشكوى، والاصدقاء السوريون إما بانتظار الخراب أو شُرِّدوا. مرة أخرى، لا أحد يستحق هذا النوع من المعاملة، خصوصاً أهل مصر وسورية. لن آخذ القارئ في سياحة بين تونس وليبيا وغزة والضفة. نكّدت عليه صباحه بما يكفي، فأتركه مع المصري الذي قال لأصدقائه انه سقط من عاشر دور ومات. وقالوا له: مت ازاي؟ انت معانا. ورد: هي دي عيشة. النكتة تكاد تصبح واقعاً. [email protected]