«الهدف الأسمى لأي فكر ولأي إبداع هو تنمية فكر الحوار وأخلاقيات الحوار ولغة الحوار لتعزيز المزيد من أشكال التواصل والتفاعل في ما بين البشر، فما بالك بالمنتمين إلى المجتمع الواحد. الحوار حقّ لكلّ أحد عند كلّ أحد...» هكذا يصف معجب الزهراني دور الحوار في تنمية الوعي الثقافي في مقدمة كتابه الصادر عن «مؤسسة الانتشار العربي» و»نادي مكة الثقافي الأدبي». تأخر الزهراني في إصدار هذا الكتاب الذي لم يكن ليُنشر لولا إصرار كاتبة المقدّمة والمسؤولة في «نادي مكّة الأدبي» أمل القثامي. ويُعد «مقاربات حوارية» بمثابة كتاب نقدي يُقارب في خطاباته المعرفية نصوصاً إبداعية ثقافية، مقاربة منهجية تعتمد على الفكر الحواري والنظرية النقدية التي تُقيم حواراً متكافئاً بين تنوعات أو متناقضات المعارف الإنسانية، وهذا ما تؤكده القثامي التي ترى أنّ هذا «الكتاب المتميّز عن بقية الأطروحات النقدية يُمكن أن يؤسّس لمبدأ الحوار وتجاور مختلف الخطابات بعضها إلى بعض، لا سيّما إذا عرفنا أنّ المرتكزات الفكرية والمعرفية للحوارية ربما كانت ولا تزال غائبة أو هامشية الحضور والأثر في ثقافتنا وواقعنا وعلاقتنا بحاضرنا وماضينا وذواتنا». ترتبط مقالات الكتاب الكثيرة والمتنوعة ارتباطاً وثيقاً ومنتظماً، يبدأه المؤلّف بفصل «كتابة الذات» (نصوص وقضايا)، والفصل الثاني هو «الآخر الداخلي- نساء التراث ضحايا الواقع» (مقامات المرأة بين فكر التوحّش ونقائضه: وضعيات المرأة في خطاب الإمام أبي حامد الغزالي- صورة المرأة في فكر إبن رشد)، والفصل الأخير «نحن الآخر- مقاربة لصورتنا في نماذج من الأدب الفرنسي». أما الملحق فيأتي كخاتمة للكتاب وفيه «مقاربة لأشكال تلقّي كتابات ميخائيل باختين في السياق العربي». ومن الخاتمة: «حاولنا في الفقرات السابقة من البحث إجراء قراءة حوارية لكتاب «فصل المقال» الذي نعدّه الإنجاز الفكري الأهم لابن رشد من منظور الثقافة العربية الإسلامية. من هذا المنطلق لاحظنا أنّ مفهوم «الاتصال» عنده يتحوّل إلى مفهوم حواري بامتياز (... ). القراءة الحوارية ذاتها مكنتنا من إبراز وتحليل أهم التعبيرات التي تُشخّص حوارية ابن رشد وتُمثلها في الوقت نفسه... وإذا كنّا قد أكدنا أنّ راهنية «فصل المقال» تكمن وتتجلّى في موقفه الذهني العام من المعرفة والإنسان والعالم فما ذلك إلاّ لأنّ خطابه يجمع بين عمق الفكر وصرامة المنهج وجرأة الرأي وتفتّح الوعي وتسامحه (...)، فالحوارية لم تكن ولن تكون نظرية نقدية مكتملة أبداً لأنها توجّه فكري يتصلّ باللغة والأدب والفلسفة والتربية، ويتواصل مع أي جهد خلاّق في هذه المجالات وغيرها. إنها أفق منفتح للمعرفة والفكر، أي لكلّ كتابة ولكلّ قراءة تعي جيداً أنّ اكتمال البحث وانقطاع الاجتهاد يعنيان موت إرادة المعرفة والحياة في الإنسان ذاته».