لندن، باريس، موسكو، نيويورك - «الحياة»، رويترز، أ ف ب - استدعت كل من باريس ولندن صباح أمس السفير الإسرائيلي لديها للاحتجاج على مشروع بناء وحدات استيطانية جديدة في القدس الشرقية والضفة الغربية، لكنهما لم تؤكدا نيتهما استدعاء سفيريهما في إسرائيل، ما يشكل قد سابقة إذا حدث. وحضت روسيا إسرائيل على إعادة النظر في خطط التوسع الاستيطاني بالضفة الغربية وأكد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إن مشروع بناء الوحدات الاستيطانية الجديدة يوجه «ضربة قاضية» لعملية السلام. وقال ياسر عبد ربه عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، إن القرار الإسرائيلي يعجل بلجوء الفلسطينيين إلى المحكمة الجنائية الدولية. وشددت باريس ولندن على «العقبات» التي يشكلها مثل مشروع بناء المستوطنات في طريق حل الدولتين خصوصاً أن إسرائيل قالت الأسبوع الماضي إنها ستبني ثلاثة آلاف وحدة استيطانية إضافية في الضفة الغربيةوالقدس الشرقية. ويشمل المشروع خصوصاً البناء في المنطقة أي -1 بين معاليه أدوميم والقدس التي ستفصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها. ويحتج الفلسطينيون بشدة على هذا المشروع لأنه يقسم الضفة الغربية إلى شطرين ويزيد في تعقيد قيام دولة فلسطينية مستقلة. ولا تعتبر إسرائيل البناء في الجزء الشرقي منها استيطاناً، بينما يطالب الفلسطينيونبالقدس الشرقية عاصمة لدولتهم المقبلة وينددون دائماً بالاستيطان فيها. وأثار قرار إسرائيل الأخير سلسلة من الانتقادات الدولية بما في ذلك من قبل واشنطن التي تدعم إسرائيل. ورأت الولاياتالمتحدة أنها خطوة تؤدي إلى «تراجع قضية السلام». يشار إلى أن فرنسا اقترعت لمصلحة دولة فلسطين بينما امتنعت بريطانيا عن التصويت. ولم تُشر لندن أو باريس إلى قرار الحكومة الإسرائيلية عدم تحويل عائدات الرسوم الضريبية التي تجمعها إسرائيل لحساب السلطة الفلسطينية لهذا الشهر، بعد حصول فلسطين على وضع دولة مراقبة في الأممالمتحدة. وكان وزير المال الإسرائيلي يوفال شتينيتس قال في بداية انعقاد الجلسة الأسبوعية للحكومة الإسرائيلية إنه سيتم تجميد 460 مليون شيقل (نحو 92 مليون يورو) كان يفترض تحويلها خلال الشهر الجاري كما نقلت عنه وسائل الإعلام الإسرائيلية. ورأت لندن أن الوحدات الاستيطانية الجديدة التي أعلن عن بنائها «تزيد صعوبة التوصل إلى حل على أساس دولتين مع القدس عاصمة تتقاسمانها». ورأى وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أنه «في حال تأكدت هذه المعلومات فإن قرار البناء سيكون خطيراً. وهو يشكل عقبة جدية أمام حل قيام دولتين ويمس بتواصل الأراضي للدولة الفلسطينية المقبلة، كما سينسف الثقة اللازمة لاستئناف الحوار». لكن فرنسا وبريطانيا لم تؤكدا نيتهما استدعاء سفيريهما في تل أبيب للتشاور في خطوة ستشكل، إن حدثت، إجراء احتجاجياً لا سابق له في تاريخ العلاقات الديبلوماسية بين إسرائيل وهذين البلدين. وقال الناطق باسم الخارجية الفرنسية فانسان فلورياني «هناك وسائل أخرى للتعبير عن استيائنا». وأكدت الخارجية البريطانية أن «أي قرار حول إجراءات أخرى تتخذها المملكة المتحدة رهن بالنقاشات الجارية مع الحكومة الإسرائيلية وشركائنا الدوليين بما في ذلك الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي». وتحدثت تقارير صحافية إسرائيلية عن أن دولاً أوروبية، في مقدمها بريطانيا وفرنسا، تعتزم الرد الحازم، «في شكل غير مسبوق منذ سنوات كثيرة»، على إعلان إسرائيل تسريع إجراءات التصديق على بناء آلاف الوحدات السكنية في المنطقة «أي - 1» التي تربط القدس الشرقية بكبرى المستوطنات وجنوبها «معاليه أدوميم»، على نحو يحول دون التواصل الجغرافي بين أجزاء الدولة الفلسطينية العتيدة، القدس وشمال الضفة الغربية. وأردفت أن بريطانيا وفرنسا درستا احتمال استدعاء سفيريهما في تل أبيب احتجاجاً لكن وزارتي الخارجية الفرنسية والبريطانية سارعتا إلى نفي هذا الاحتمال «لأن هناك سبلاً أخرى يمكننا أن نعبر بها عن عدم موافقتنا» كما جاء على لسان الخارجية الفرنسية. في موازاة ذلك نقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مساعد الرئيس الأميركي السابق رام عمانوئيل وصفه العلاقات بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو بالمتوترة للغاية «بعدما خسر نتانياهو الرهان على المرشح الجمهوري للرئاسة ميت رومني». وذكرت صحيفة «هآرتس» في عنوانها الرئيس أمس أن بريطانيا وفرنسا الغاضبتين على الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة تنسقان رد الفعل على قرار الحكومة الإسرائيلية تسريع إجراءات المخطط المذكور وبناء آلاف الوحدات السكنية الجديدة في مستوطنات القدسالمحتلة. ونقلت عن ديبلوماسيين أوروبيين قولهم إن لندن وباريس درستا احتمال استدعاء سفيريهما في تل أبيب احتجاجاً. وأضافوا أن البلدين يشعران بأن سلوك إسرائيل بعد اعتراف الأممالمتحدةبفلسطين دولة بصفة مراقب يعكس «نكران جميلها» لهما وللدول الأوروبية التي ساندت إسرائيل في عمليتها الأخيرة في قطاع غزة. سلة عقوبات ووفق الديبلوماسيين فإنه حتى إن لم تقرر الدولتان استدعاء سفيريهما فإنهما تعتزمان اتخاذ خطوات عقابية أخرى مثل تعليق الحوار الاستراتيجي بينهما وبين إسرائيل، أو قيام المؤسسات التابعة للاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات ضد المستوطنات مثل وضع شارات خاصة لتمييز منتجاتها. ولم يستبعد الديبلوماسيون أن تقوم ألمانيا أيضاً برد عقابي على الدولة العبرية. وتوقع ديبلوماسي ألماني أن يسمع نتانياهو خلال زيارته هذا الأسبوع برلين انتقاداً شديداً من المستشارة الألمانية أنغيلا مركل. غضب أميركي أيضاً وتناولت صحيفة «يديعوت أحرونوت» في عنوانها الرئيس العلاقات المتوترة بين أوباما ونتانياهو. ونقلت عن رئيس طاقم البيت الأبيض سابقاً رام عمانوئيل قوله في أحاديث مغلقة إن «نتانياهو راهن على الشخص غير الصحيح وخسر». واستذكر عمانوئيل اللقاء الذي تم في البيت الأبيض بين أوباما ونتانياهو قبل عام ونصف العام «حين تصرف نتانياهو كما لم يتصرف أي ضيف آخر من قبل». وزاد أنه «لا يمكن القبول بما حدث في ذلك اللقاء... وما حصل أمر لا يمكن نسيانه... لا أحد يتصرف على هذا النحو، والرئيس أوباما لن يسمح بأن يتكرر هذا التصرف معه وأن يقبل بمعاملة مستخِفة كهذه من جانب نتانياهو»، واصفاً سلوك إسرائيل، لقاءَ الدعم الهائل الذي تلقته من إدارة أوباما نكراناً للجميل. المعارضة تحذر وعلى رغم العاصفة الديبلوماسية حاول وزير المال القريب من رئيس الحكومة يوفال شتينيتس التقليل من شأنها بالقول للإذاعة العسكرية إن إسرائيل توقعت رد الفعل الأوروبي والأميركي «لكنني على قناعة بأن الجميع يتفهم أنه كان ينبغي علينا الرد، إذ لا يعقل أن تمد إسرائيل خدها الثاني للخطوة الفلسطينية». وتابع أن الرد الإسرائيلي جاء «معتدلاً نسبياً، ولم نقرر حتى اللحظة تحطيم السلطة الفلسطينية في شكل تام، لكن لا يمكننا أن لا نرد». وقال وزير الدفاع السابق النائب العمالي المعارض بنيامين بن أليعيزر إن «العالم أخذ يفقد صبره من السياسات اللامسؤولة من جانب نتانياهو». وأضاف أن قرار توسيع الاستيطان لا يخدم بشيء المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية بل «يعرض الدعم الأميركي والدول الأوروبية لإسرائيل، كما تجلى خلال العملية العسكرية الأخيرة على القطاع، للخطر». واتفقت معه زعيمة حزب «الحركة» الجديد وزيرة الخارجية سابقاً تسيبي ليفني وقالت إن رد الفعل الفرنسي والبريطاني «يؤكد أن الخطوات الديبلوماسية للحكومة الإسرائيلية سيئة لإسرائيل»، مضيفةً أن الإعلان عن البناء الاستيطاني الجديد يعزل إسرائيل ويستدعي ضغطاً دولياً «وكلنا يعرف أن المشروع لن يُنفَذ في نهاية الأمر». وحذرت حركة «السلام الآن» اليسارية من خطورة مشروع البناء في القدس وقالت إن الهدف السياسي والاستراتيجي منه هو إفشال مشروع التسوية على أساس دولتين للشعبين. من خلال تحويل مستوطنة «معاليه أدوميم» إلى منطقة تفصل بين شمال الضفة وجنوبها. وأشارت الحركة إلى أن تنفيذ المخطط الاستيطاني سيجعل مساحة المنطقة التي سيتم ضمها داخل الجدار الفاصل في محيط «معاليه أدوميم» 62 ألف دونم، أي بزيادة نحو 60 في المئة عما كانت عليه قبل ثماني سنوات. وفي لندن قال متحدث باسم وزارة الخارجية «استدعى ألستير بيرت وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط السفير الإسرائيلي إلى لندن دانييل توب في شكل رسمي إلى وزارة الخارجية هذا الصباح، أوضح الوزير عمق المخاوف البريطانية». وأردف «أي قرار بخصوص أي إجراءات أخرى قد تتخذها المملكة المتحدة سيعتمد على نتيجة مناقشاتنا مع الحكومة الإسرائيلية وشركائنا الدوليين بما في ذلك الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي». وفي نيويورك أكد بان كي مون ليل الأحد أن مشروع بناء وحدات سكنية استيطانية جديدة في القدس الشرقية والضفة الغربية يوجه «ضربة قاضية» لعملية السلام. وقال المتحدث باسم بان كي مون في بيان، إن «المستوطنات غير شرعية في نظر القانون الدولي، وإذا ما تجسد (هذا المشروع) فإنه سيشكل ضربة شبه قاضية لآخر الفرص لضمان حل الدولتين». وفي تصريح شديد اللهجة شدد بان كي مون على أن هذا مشروع الاستيطان الجديد «يمكن أن يفصل القدس الشرقية تماماً عن باقي الضفة الغربية». وزاد البيان أن «الأمين العام علم بقلق عميق وإحباط شديد بالإعلان الإسرائيلي» عن هذه المشاريع الاستيطانية الجديدة. وكما فعل قبل تصويت الأممالمتحدة الخميس دعا بان كي مون «من جديد جميع الأطراف المعنية إلى استئناف المفاوضات وإلى مضاعفة الجهود للتوصل إلى سلام كامل وعادل ودائم وطالبهم بإلحاح بعدم القيام بأي عمل استفزازي». وفي موسكو انتقد بيان، صدر بعد يوم من رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إدانة من الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية، إعلان إسرائيل حجب إيرادات الضرائب الفلسطينية. وأفاد بيان أصدرته وزارة الخارجية بأن روسيا «تنظر إلى هذه النوايا الإسرائيلية بأكبر مقدار من القلق». وتابع «تنفيذ خطط معلنة لنشاط استيطاني على نطاق كبير سيكون له أثر سلبي على جهود استئناف المفاوضات المباشرة التي تهدف إلى حل الدولتين للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي». وقال البيان الروسي إن مثل هذه الخطوة «ستعقد الوضع الاجتماعي والاقتصادي والإنساني الصعب أصلاً في الأراضي الفلسطينية». ويحاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحقيق توازن بين العلاقات مع العرب ومنهم الفلسطينيون التي ترجع إلى العهد السوفياتي وبين تحسين العلاقات بإسرائيل خلال 13 عاماً قضاها في السلطة. وفي رام الله (الضفة الغربية) قال عبد ربه إن «حكومة إسرائيل هي المسؤولة عن تسريع ذهابنا إلى المحكمة الجنائية الدولية لأن هذا القرار الأخير (توسيع مستوطنة معاليه أدوميم) الذي يقضي على حل الدولتين في عرف القانون الدولي جريمة حرب». وأضاف «ولا يسمح القانون الدولي بإحلال سكان من الدولة المحتلة في أراضي دولة أخرى خاضعة للاحتلال الذي يتحمل الآن تبعات كل خطوة سنقدم عليها في المستقبل إذا لم تتوقف جرائمه عند حدها». ويتيح حصول الفلسطينيين على دولة بصفة مراقب في الأممالمتحدة التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية لنيل عضويتها. ورفض عدد من دول الاتحاد الأوروبي القرار الإسرائيلي توسيع المستوطنات في الضفة الغربيةوالقدس وقال إن ذلك لا يساعد في العودة إلى المفاوضات. وقال عبد ربه «غالبية دول العالم التي أيدت أو امتنعت... امتناعها لم يكن اعتراضاً سياسياً على القرار (رفع مكانة فلسطين إلى دولة بصفة مراقب) بل كان تضامناً مع القرار». ومضى يقول «لكل دولة أسبابها الخاصة ما يعني أن ما يزيد على 185 دولة أيدت التوجه كلها عندها قلق أو أحد دوافعها الرئيسة الخشية على مصير حل الدولتين نتيجة السياسة الاستيطانية الإسرائيلية». وتابع «والقرار الإسرائيلي بالتوسع الاستيطاني الأخير في مشروع أي - 1 الذي يشطر الضفة إلى قسمين بمثابة حكم بالإعدام على حل الدولتين». ولمح عبد ربه إلى إمكانية توجه الفلسطينيين إلى مجلس الأمن الدولي وقال، «ولهذا السبب العالم سيفهم اليوم عندما نتوجه إلى مجلس الأمن الدولي للمطالبة بقرار ملزم ضد هذه السياسة الإسرائيلية».