مع عواصف الخريف، يلفظ البحر على شواطئ شمال بولندا كنزاً يعود إلى أزمنة غابرة وهو العنبر المعروف ب «ذهب البلطيق» الذي تصنع منه الحلي والقطع الفنية المطلوبة جداً. وفي هذه الفترة من السنة في ميكوسيفو (شرق غدانسك) يكثر «صيادو» العنبر على شواطئ بحر البلطيق الرملية التي تعصف بها رياح شمالية - شرقية فتتكدس قطع هذا الصمغ النباتي المتحجر العائد إلى 40 مليون سنة. وفي المنطقة الواقعة بين بلدة شالوبوفو البولندية وجيب كاليننغراد الروسي، يتكوّن العنبر منذ العصر الحجري الأخير، أي قبل نحو خمسة آلاف سنة على ما يفيد خبراء. ومع انتشار مئات المحترفات الفنية المشهورة بابتكاراتها من المجوهرات والقطع الفنية المصوغة بحرفية ومعرض «إبريف» المهني الأهم في العالم ومتحف مختص فريد من نوعه، باتت غدانسك البولندية من دون منازع عاصمة العنبر العالمية. وفي ميكوسيفو يشكل تمشيط الشاطئ بدقة للعثور على حبيبات «ذهب البلطيق»، تقليداً يعود إلى آلاف السنين. ويقول فلودزيميرس يانوفسكي وهو فني ميكانيكي متقاعد، إن الأمر يشكل شغفاً فعلياً له، وإنه بعد كل عاصفة قوية يتوافد السكان بحثاً عن العنبر على هذا الشاطئ المطل على بحر البلطيق. ويوضح يانوفسكي: «مع بعض الحظ، وبعد عاصفة قوية يمكن إيجاد بعض القطع الجميلة قد يصل وزنها إلى مئة غرام في اليوم الواحد»، مشيراً إلى أن سعر غرام العنبر يبدأ ب10 يورو. وفي كيسه 12 قطعة متفاوتة الحجم لونها بلون العسل. وعثر الرجل في الماضي على قطع كبيرة من العنبر الخالص بحجم كرة قدم. أكبر هذه القطع وصل وزنها إلى 9,75 كيلوغرامات هي موجودة في برلين. وثمة طلب خصوصاً على القطع التي تحوي أجزاء حشرات، علماً أن أصل العنبر يعود إلى غابات الصنوبر التي كانت تغطي ما يعرف الآن بمنطقة إسكندينافيا. وكان الصمغ الذي يرشح من جذوع الأشجار يتحجر عبر القرون ويجرفه البحر. وفي بولندا يقدر مخزون العنبر ب650 ألف طن وهو من الأكبر في العالم، إلا أن كثيراً منه يقع على عمق كبير ويصعب استغلاله. أما مناجم كاليننغراند الأقل عمقاً فتوفر مصدراً وافراً للحرفيين البولنديين.