ترسخ أمس الصراع بين السلطة الحاكمة والمعارضة ومعها قوى مجتمعية عدة في مقدمها القضاء، فبعد ثلاثة أيام من إصدار الرئيس محمد مرسي إعلاناً دستورياً أطاح بمقتضاه النائب العام وعلق رقابة القضاء على قرارته والجمعية التأسيسية ومجلس الشورى وأثار معارضة واسعة، بدا جلياً أن كل طرف يعول على سياسة «النفس الطويل». ففي حين يعول معارضون على تمدد الإضرابات إلى طوائف مجتمعية عدة، لا سيما بعد انضمام الصحافيين أمس، إلى جانب تصعيد القوى السياسية من إجراءاتها وصولاً إلى إعلان «عصيان مدني»، وضح أن مرسي ومعه التيار الإسلامي يعولون على ضعف القدرة التنظيمية لمعارضيهم مع مرور الوقت. وعلقت محاكم عدة عملها أمس تلبية لدعوة الجمعية العمومية لنادي القضاة التي عقدت أول من أمس. وعلى رغم أن الإضراب لم يطل محاكم رئيسة في القاهرة، إلا أن عدداً من رؤساء المحاكم التي عقدت أمس حرصوا على تأكيد رفضهم الإعلان الدستوري وأرجعوا انعقاد جلسات المحاكمة إلى «عدم وصول إخطارات» من مجلس القضاء الأعلى، ما يعني أن إضراب القضاء سيظهر أثره خلال يومين. لكن القوى الإسلامية استغلت عمل بعض المحاكم للتركيز على «الانقسام في صفوف القضاة». وقللت مصادر رئاسية من إضراب القضاة أمس، واعتبرت أنه «جزئي ولا يعبر عن كل القطاعات القضائية»، فيما اجتمع مرسي مع هيئة مستشاريه لليوم الثاني على التوالي، وأفيد بأنه يبحث في حلول تمكنه من تهدئة الغضب، لكنه يبقي بمنأى عن التراجع عن الإعلان الدستوري. وشددت مصادر رئاسية ل «الحياة» على أنه «لا تراجع عن الإعلان الدستوري». ورأت أن «تراجع الرئيس معناه فقدانه السيطرة على مقاليد الأمور... ولن يستطيع في المستقبل إصدار أي قرارات، ما قد يؤدي إلى مفسدة أكبر من الاستمرار في التنفيذ». وأوضحت أن مرسي اجتمع أول من أمس مع هيئته الاستشارية قبل أن يجتمع بنائبه محمود مكي ومستشاره لشؤون العدالة الانتقالية محمد سليم العوا الذي خرج مساء أمس ليعلن رفضه الإعلان الدستوري وينفي ما تردد عن استقالته. وأشارت المصادر إلى أن «الاجتماعات لم تبلور رؤية للخروج من الأزمة». وأكدت أن «المناقشات تبتعد من دائرة سحب الإعلان الدستوري أو حتى إجراء تعديلات عليه». وينسجم حديث المصادر مع إعلان مستشار الرئيس الكاتب فاروق جويدة استقالته من منصبه، مشيراً إلى أن حديثه مع الرئيس أول من أمس دعاه إلى هذا القرار. وقال: «لن أقبل بأن أكون ديكوراً لأي مشهد من المشاهد لأن هذا وضع لا أقبله لنفسي ولن أقبل بأن أشارك في أي شيء يتجاوز حدود الحرية». وبدا أن مرسي ألقى على وزير العدل أحمد مكي بمسؤولية تهدئة الأجواء مع القضاء، إذ أعلن التلفزيون الرسمي أن مكي اجتمع مع مجلس القضاء الأعلى، كما ترك مرسي لوزير داخليته أحمد جمال الدين البحث في حلول في شأن الاشتباكات في محيط ميدان التحرير والتي دخلت أسبوعها الثاني أمس، إذ استدعي جمال الدين قيادات في أحزاب «الدستور» و «التيار الشعبي» وائتلافات ثورية للبحث في تهدئة الأجواء. وخففت وساطة مكي موقف مجلس القضاء الأعلى الذي نقلت عنه وكالة «رويترز» أمس دعوته في بيان إلى قصر تحصين قرارات مرسي من الطعن عليها أمام القضاء على «الأعمال السيادية» فقط. وقال التلفزيون الرسمي إن «المجلس دعا القضاة إلى الاستمرار في العمل» بينما كان «نادي قضاة مصر» دعاهم أول من أمس إلى الإضراب. وكان عدد من رؤساء المحاكم في المحافظات سجلوا في محاضر جلساتهم تعليقهم للعمل وتأجيل القضايا المنظورة في الجداول إدارياً، تنفيذاً لقرار نادي القضاة، كما جمع قضاة في محكمة النقض توقيعات لمطالبة رئيس محكمة النقض محمد ممتاز متولي بعقد جمعية عمومية طارئة للمحكمة لإصدار قرار فوري بتعليق العمل، ما استجاب له متولي وحدد له الأربعاء. وعلق عدد من رؤساء النيابات عملهم، وجاء في مقدم النيابات التي علقت العمل تماماً في القاهرة نيابات الأموال العامة العليا ونيابات شمال وشرق وجنوب ووسط القاهرة الكلية وأمن الدولة العليا، فيما أضرب بعض النيابات جزئياً واقتصر عمله على النظر في أوامر تجديد الحبس الاحتياطي للمتهمين المعروضين، وبعض الأمور الطارئة التي تخص العمل. واعتبر مجلس رؤساء محاكم الاستئناف في بيان الإعلان الدستوري «تدخلاً في أعمال السلطة القضائية واختصاصاتها وإهداراً لحصانة القضاء وعصفاً باستقلاله». وأشار إلى أن «الإعلان الدستوري يأتي على نحو غير مسبوق وبالمخالفة لكل المواثيق والأعراف الدستورية التي اختير على أساسها الرئيس مرسي رئيساً شرعياً منتخباً لمصر». ودعا الرئيس إلى «العدول عن هذا القرار بكل آثاره، حفاظاً على الشرعية الدستورية». وكانت محكمة جنايات القاهرة أرجأت بعد دقائق من بدء جلستها محاكمة ثلاثة ضباط في جهاز أمن الدولة المنحل، «اعتراضاً على الإعلان الدستوري الجديد وما تضمنه من تدخل في عمل القضاء وشؤون العدالة». والمقابل دائرة أخرى في المحكمة جلساتها أمس لمحاكة رئيس مجلس الشورى السابق صفوت الشريف وابنيه في قضية فساد، قبل أن ترجئ القضية إلى نهاية كانون الثاني (يناير) المقبل استجابة لطلب الدفاع. يأتي ذلك في وقت استنفر الإسلاميون للدفاع عن قرارات مرسي، وعقدت قيادات «الجماعة الإسلامية» مؤتمراً صحافياً أمس أكدت فيه دعمها الإعلان الدستوري، واعتبرت أنه «ضروري لعبور المرحلة الانتقالية». وشنت هجوماً على معارضيه. وعقد مجلس الشورى أمس جلسة لمناقشة قرارات مرسي شهدت دفاعاً مستميتاً من قبل التيار الإسلامي الذي يهيمن على المجلس في مواجهة نواب المعارضة.