انتفض قضاة مصر أمس احتجاجاً على الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس المصري محمد مرسي الخميس وأطاح بمقتضاه النائب العام ووسع صلاحياته وعلق رقابة القضاء على قراراته وعلى الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى اللذين يهيمن عليهما التيار الإسلامي، فيما أعلنت كبرى قوى المعارضة التوحد في «جبهة إنقاذ وطني» ضد القرارات ورهنوا الحوار مع مرسي بإسقاط الإعلان. وبدا أن مرسي وضع نفسه في مواجهة مباشرة مع القضاة الذين استنفروا احتجاجاً على الإعلان الدستوري. وعقد نادي القضاة جمعية عمومية أمس شهدت احتشاد آلاف القضاة الذين ظلوا يهتفون ب «سقوط النظام» رغم إعلان رئيس النادي أحمد الزند أكثر من مرة على احترامهم ل «الشرعية». واعتبر المجلس الأعلى للقضاء، وهو اعلى سلطة قضائية في مصر، أن الإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي يتضمن «اعتداء غير مسبوق» على استقلال القضاء وأحكامه. وقال في بيان عقب اجتماع طارئ عقده صباح أمس أن «المجلس هو المعني بشؤون القضاء والقضاة كافة»، مبدياً «أسفه» لصدور هذا الاعلان. وطالب مرسي ب «البعد بهذا الاعلان عن كل ما يمس السلطة القضائية واختصاصتها أو التدخل في شؤون أعضائها أو ينال من جلال أحكامها». وأعلنت محاكم في محافظات عدة تعليق عملها، وطالب نواب للنائب العام الجديد طلعت عبدالله بإعفائهم من مناصبهم والعودة إلى القضاء. وطلبت المحكمة الدستورية العليا من مرسي «تقديم أدلته» على ما تناوله خطابه أول من أمس عن أن بعض أعضائها أعلن قراراً بحل مجلس الشورى قبل موعد جلستها المقررة الأحد المقبل. وعقدت أحزاب المعارضة أمس اجتماعاً في مقر حزب «الدستور» حضره رئيس الحزب محمد البرادعي ورئيس «التيار الشعبي» حمدين صباحي ورئيس «حزب المؤتمر» عمرو موسى، قبل أن يخرج المجتمعون بياناً أعلنوا فيه تشكيل «جبهة الإنقاذ الوطني» باعتبارها «كياناً جامعاً لكل القوى الرافضة للإعلان الدستوري، وإنشاء قيادة وطنية جماعية لها، تتفرع عنها لجنة تنسيقية لإدارة العمل اليومي من رموز مصر على أن تكون مهمة تلك القيادة إدارة المرحلة سياسياً وشعبياً وجماهيرياً». وقررت رفض الحوار مع الرئيس قبل إسقاط الإعلان الدستوري، وتعهدت «تصعيد الخطوات السياسية السلمية». في المقابل، دعا حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة «الإخوان»، أمس «أن يكون هناك حوار وطني جاد في ما يتعلق بتحصين قرارات الرئيس اللاحقة لتحقيق التوازن بين حق الرئيس في أن يتحمل مسؤوليته أمام الشعب لتحقيق الأمن والاستقرار من دون تعطيل لصلاحياته وقراراته من جهة، وبين حق كل القوى السياسية والمجتمعية في ضمانات عدم الانفراد بالقرارات المصيرية للوطن في غياب البرلمان من جهة أخرى». واعتبر أن «القرارات التي تضمنها الإعلان الدستوري الأخير حققت الكثير من المطالب التي نادت بها كل القوى السياسية والشعبية التي شاركت في ثورة 25 يناير من أجل تحقيق الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية». ورأى أن «إنجاز مشروع الدستور والاستفتاء عليه هو النهاية الطبيعية للمرحلة الانتقالية بما فيها من اعلانات دستورية وسلطات استثنائية مرحلية، بأن يكون هناك دستور يمثل عقداً اجتماعياً حاكماً بين الشعب وسلطات الدولة ومنظماً لكل هذه السلطات في الشكل الذي نتمناه جميعاً». أما المحكمة الدستورية العليا فأصدرت أمس بياناً وجهته إلى الشعب قالت فيه إنها «لم تكن يوماً أداة طيعة لينة في يد أحد يستخدمها وقتما يشاء وفي ما يشاء ولن تكون أبداً». واعتبرت ان «مصر تجتاز الآن مرحلة دقيقة في تاريخها يتعاظم تأثيرها في مسار التحول الديموقراطي». ورفضت المحكمة التعليق على الإعلان الدستوري «لاتصاله بطبيعة عمل المحكمة، وما عساه أن يعرض عليها من دعاوى متعلقة به». وقالت إنها «استقبلت بألم وحزن بالغين ما حمله خطاب السيد رئيس الجمهورية الذي ألقاه من أن حكم المحكمة الدستورية بحل مجلس الشورى أعلن قبل الجلسة بأسبوعين أو ثلاثة أسابيع». وطالبت مرسي ب «إبلاغها بما اتصل بعلمه معززاً بالأدلة حتى يتسنى للمحكمة اتخاذ ما يلزم قانوناً تجاه من يثبت ارتكابه هذا الفعل إذا كان من بين قضاة المحكمة أو أي من العاملين بها بحسبان أن هذا المسلك الشائن، إن قام الدليل عليه، ينطوي على مقارفة جريمة إفشاء أسرار المداولة وهو الأمر المؤثم بنص القانون». ونفت المحكمة ما تردد عن أن لديها دعوى قضائية تطالب بعزل رئيس الجمهورية. وكان نادي قضاة الاسكندرية أعلن تعليق العمل في جميع محاكم ونيابات الإسكندرية والبحيرة احتجاجاً على الإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي، وسار على دربها عدد من المحاكم في محافظات أخرى. وكشف وزير العدل أحمد مكي عن «وساطة» يقوم بها «بين السلطتين التنفيذية والقضائية». وأكد «السعي الدائم كي لا يتحول أي خلاف بين السلطتين إلى نزاع»، معرباً عن ثقته في «أن هدف السلطة التنفيذية متمثلة في رئيس الدولة هو هدف نبيل، وفي الوقت نفسه أشارك أخوتي القضاة في بعض تحفظاتهم». وأشار إلى أنه لن يقبل «بأي استدراج لي إلى حديث ضار أو غير نافع يمس مؤسسة الرئاسة أو أي قاض». وتحدث النائب العام المُقال عبدالمجيد محمود أمام الجمعية العمومية لنادي القضاة ليشن هجوماً عاصفاً على التيار الإسلامي، وفي القلب منه جماعة «الإخوان المسلمين»، والمجلس العسكري الذي حمله ومعه نائب الرئيس المخلوع عمر سليمان مسؤولية غياب الأدلة في قضايا قتل المتظاهرين، كما حمل رؤساء وزارات ما بعد الثورة ومرسي عدم التحقيق في قضايا خصخصة الشركات التي جرت في ظل نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك. وسعى محمود إلى إبراء ساحته من تبرئة رموز النظام السابق في قضايا قتل المتظاهرين، محملاً المسؤولية على المجلس العسكري ونائب الرئيس السابق الذين «رفضوا ان يتصدوا للتحقيقات هرباً من المسؤولية وخوفاً من مواجهة مع جهاز الشرطة، فتحملت النيابة العامة على عاتقها مسؤولية إجراء التحقيقات». ودعا مرسي إلى «أن يطلب من وزير داخليته (أحمد جمال الدين) كشف إعداد القوات التي كانت تواجه المتظاهرين في أيام الثورة وتسليحها». وكشف أن «كل القضايا الخاصة بالاعتداء على الكنائس وكل القضايا التي تتعلق بالأقباط ومنها أحداث ماسبيرو لم تقدم فيها وزارة الداخلية متهماً واحداً حتى الآن، وأحداث محمود محمود التي وقعت العام الماضي لم يحرر بصددها محضر واحد حتى الآن ولم يوجه الاتهام إلى أي شخص». وأشار إلى ان «كل القضايا التي تلاحق مسؤولين عسكريين سابقين في مقدمهم المشير حسين طنطاوي أحلناها على القضاء العسكري بحسب القانون»، كما رفض تحميله مسؤولية غياب التحقيقات مع رموز النظام السابق في قضايا فساد، مؤكداً أن «النيابة هي المسؤولة عن إعادة مئات الملايين من الأموال المنهوبة». وحمل رؤساء وزراء ما بعد الثورة بداية من عصام شرف إلى كمال الجنزوري وصولاً إلى هشام قنديل مسؤولية «عدم التعاون في قضايا بيع الشركات المملوكة للدولة»، كما حمل مرسي المسؤولية أيضاً. وقال إنه بعث إليه بمذكرة قبل ثلاثة أسابيع وطالبه بالتعاون من دون رد «وهناك قضايا خاصة بالبنوك لا يجوز فيها التحقيق من دون إذن من محافظ البنك المركزي أو رئيس الوزراء وبما أن محافظ البنك المركزي مشكو في حقه طلبنا من جميع رؤساء الوزراء السابقين الإذن بالتحقيق في هذه القضايا ولم يستجيبوا». وشن هجوماً عاصفاً على التيار الإسلامي، متوقعاً أن يجد نفسه وأسرته «خلف القضبان ظلماً». وقال: «تعاملت مع كل الجماعات الإسلامية وهي لا تعرف الله ولا الحق ولا تعرف إلا الباطل». وقال لمرسي وجماعته: «لا تعرفون ماذا يخبئ لكم القدر فستلجأون إلى اللوذ بالقانون... كل الجماعات التي تحمل السلاح يتم التعامل معها وملاحقتها بالقانون باعتبارها جماعات غير مشروعة هدفها قلب نظام الحكم». وكان محمود أصدر بياناً وزعه على القضاة قبل التئام الجمعية العمومية أعلن فيه أنه سيطعن أمام القضاء ضد الإعلان الدستوري الذي أطاحه من منصبه. وقال: «إنني إذ أحذر من خلط المبادئ العامة للدستور والقانون في ضوء ما شهدته الأيام الماضية من قرارت متعددة طاولت السلطة القضائية وسعت إلى تعطيل دورها، فإنه يجب التأكيد أن العدالة المنشودة هي المطلقة وليست عدالة الإدانة فقط».