الانفتاح السياسي لميانمار والطموحات الجامحة للسيطرة على أسواقها التي تبديها خصوصاً الولاياتالمتحدة، سيحمل الصين على إعادة النظر في استراتيجيتها بعدما مارست على جارها هيمنة ساحقة طوال عقود. لقد ولّى الزمن الذي كانت فيه بكين، العضو الدائم في مجلس الأمن، قادرة على إنقاذ المجلس العسكري من العقوبات الأممية. وانتهت الحقبة التي كان الغرب يحظّر خلالها الاستثمارات والتجارة مع بلد منبوذ، مفسحاً في المجال للبلدان الآسيوية لشراء الغاز من ميانمار وتصريف منتجاتها. ومنذ آذار (مارس) 2011، نقل المجلس العسكري السلطة إلى حكومة من قدامى العسكريين عمدت إلى مضاعفة الإصلاحات. ولم يعد نظام نايبيداو منبوذاً، كما تؤكد ذلك الطريقة الاحتفالية للزيارة التي قام بها الإثنين الماضي باراك اوباما، أول رئيس أميركي يزور رانغون. ولا يغيب عن بكين هذا التغير الحاصل. وأكد خبير أن «نايبيداو يصحح الانحياز الذي كان إلى حدّ ما قسرياً إلى الصين في تسعينات القرن الماضي». وأضاف «من الواضح أن زمن الاحتكار انتهى. زمن النفوذ القوي لم يعد موجوداً». ويعرب بعضهم في بكين عن غضبهم من الاندفاعة الأميركية التي ظهرت جلياً خلال زيارة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون. ونشرت مقالات تتحدث عن استخدام «أميركا مستقبلاً وسائل أخرى غير عسكرية لإبطاء انطلاقة الصين أو منعها»، متهمة واشنطن «بأنها تدق إسفيناً في علاقات الصين مع كوريا الشمالية وباكستان وميانمار». وأشارت إلى أنه في حال حصول «ميانمار على التأييد الدولي، ستحتاج الصين إلى مزيد من المهارة الديبلوماسية». وما يصح على الصعيد الديبلوماسي يصح على الصعيد الاقتصادي. فانتهاء الاحتكار يغضب إلى حد ما التجار الصينيين الذين كانوا يتحركون في ميانمار كما لو أنهم في بلدهم، إذ لم يواجهوا أي منافسة طوال أكثر من عقدين إبان الحكم الديكتاتوري، وكان في مقدورهم أن يفعلوا كل ما يحلو لهم. وعبرت كبرى الشركات عن خيبة الأمل ذاتها. ففي أيلول (سبتمبر) 2011، علق الرئيس ثين سين الأعمال في سد كبير كان يبنيه الصينيون الذين منحوا حق إنتاج الكهرباء منه. وهذا القرار الذي رحب به الغرب واعتبره إشارة إصغاء غير مألوفة من النظام إلى رأيه، شكل تحوّلاً. وطوال أكثر من 20 عاماً، نسج الصينيون علاقات ممتازة مع الحكم في ميانمار، لكنهم لم يقيموا علاقات مع المجتمع المدني ولا السكان المحليين. وهذا التطور الجديد يرغمهم على إعادة النظر في هذه الأساليب طالما أن «لميانمار ثقافة سياسية معادية للأجانب وهذا يفاقم رد فعلها في مواجهة النفوذ الصيني». ويرجّح تراجع نسبة المشاريع الصينية للبنى التحتية الكبيرة الحجم بمقدار دخول عناصر أخرى في اللعبة، لكن ستبقى المنتجات الاستهلاكية الصينية لفترة طويلة في أسواق ميانمار التي يناهز عدد سكانها 60 مليون نسمة. ويشير مراقبون إلى أن العملاق الآسيوي يخطئ بالتخوف فقط من التهديد الأميركي. فاليابان أيضاً بدأت تقديم المساعدة وتشارك في كبرى المشاريع الصناعية، لكن من دون الضوضاء الأميركية.