في سوق الشورجة التجاري المعروف في وسط بغداد، يبيع «أبو غايب» أكياس التسوق لرواد السوق منذ عشرين سنة، ويرفض العمل في أي مهنة أخرى حتى ولو كان مردودها المادي أكبر من مردود مهنته الحالية. يقول «أبو غايب»، واسمه الحقيقي محمود إبراهيم، إنه فقد جميع أفراد عائلته وتخلى عنه أقرباؤه بعدما أكمل خدمته العسكرية وشارك في الحرب الإيرانية - العراقية لثلاث سنوات، ويضيف: «لم أجد عملاً أعتاش منه سوى بيع أكياس التسوق، فهذه مهنة من لا مهنة له في بغداد». والحال أن هذه المهنة رائجة في أسواق بغداد، وغالباً ما ينخرط في هذا العمل أطفال يعيلون عائلاتهم، ومعظمهم من الأيتام الذين فقدوا أحد الوالدين، لكن «أبا غايب» هو الوحيد الذي تجازو الستين من مزاولي هذا العمل. وعن سبب تسميته «أبو غايب» يقول إن «تجار الأسواق وأصدقائي في السوق أطلقوا عليّ هذا اللقب لأنني بلا عائلة أو اقرباء، أعيش وحيداً في مبنى مهجور قرب سوق الشورجة حيث أعمل». وشعبية الرجل واسعة بين أصحاب المحال التجارية، وغالباً ما يعتمدون عليه في تأمين أكياس التسوق للزبائن، دون غيره من الباعة، كونهم يعتبرونه «عميد المهنة». الفترة الطويلة التي أمضاها «أبو غايب» في سوق الشورجة جعلته موسوعة تاريخية لهذه السوق الشهيرة التي تعتبر المركز التجاري لبغداد وتباع فيها الملابس والمواد الغذائية والأجهزة الكهربائية وغيرها. يستذكر أحداثاً جرت في السوق، وأيام غلاء أسعار المواد الغذائية إبان العقوبات الاقتصادية الدولية التي فرضت على العراق في تسعينات القرن الماضي، كما يستذكر الكثير من الحرائق التي تعرضت لها السوق في العقدين الماضيين. وعلى رغم أن بعض أصحاب المحال يعرض عليه العمل في مهن أخرى، كالحراسة الليلية أو العمل حمّالاً مع عربة، يرفض «أبو غايب» ذلك ويقول: «لقد كبرت كثيراً على الأعمال الشاقة، وأجد أن مهنة بيع أكياس التسوق مناسبة لحالي وتشعرني بأنني حر، على رغم الكسب القليل الذي تأتيني به».