كل شخص يعمل في منشأة سعودية تسمح بتوظيف النساء يعلم بالتأكيد أن هناك سيدة سعودية ما تبحث عن عمل بأي شكل حتى ولو تقاضت ما يقارب الألف ريال فقط في المقابل، وخير مثال هو المدارس الخاصة التي تقوم بتوظيف السعوديات من حملة الشهادات الجامعية أو الدبلومات في مهن مختلفة ومنها التدريس بمقابل مادي شديد التواضع منذ وقت طويل، ولا تتورع تلك المدارس أيضاً عن صرف الموظفة بعد «تجربتها» لمدة ثلاثة اشهر أو أكثر حتى لا تضطر إلى تثبيتها في مقابل مادي أعلى، ثم الاستعاضة عنها بطالبة عمل جديدة لملء الفراغ بالمقابل المادي الضئيل نفسه، وهناك وظائف العمالة والأمن في المنشآت النسائية التي تعمل فيها أيضاً سيدات سعوديات بمقابل مادي مشابه، لذلك لم يكن مستغرباً أبداً في ظل ضيق الفرص المتاحة للسيدات السعوديات بلا مؤهلات مرغوبة من سوق العمل، وفي ظل التضخم الحالي، أن نصبح يوماً فنجد أن هناك عدداً من السيدات بدأن بالفعل في العمل في مهنة عاملات منزليات على نظام الساعة وبأجور تقارب 1500 ريال، في نجاح مبدئي مثير للتساؤل - بالرغم من كل المحاذير الاجتماعية - لخطة وزارة العمل ل «سعودة» مهنة العاملات المنزليات التي تم الترويج لها محلياً منذ عامين على التقريب. الخبر المنشور يذكر أن هناك ثلاثين سيدة سعودية في أعمار تتراوح بين العشرين والخامسة الأربعين بدأن بالفعل العمل كعاملات منزليات في جدة، وأن عدداً كبيراً ينتظر الالتحاق بعدهن فور اجتيازهن للمقابلات والدورات التأهيلية، وهؤلاء السيدات جديرات بالتشجيع والاحترام لإقدامهن على العمل كوسيلة للكسب، بغض النظر عن الطابع الاجتماعي المستنكر لمثل تلك المهنة، والخبر يشير أيضاً إلى مساوئ مهنة العاملات المنزليات في السعودية كنتيجة لعدم تقنين العلاقة بين العمالة وأصحاب العمل، ففي السابق تعرضت العاملات المنزليات في السعودية ولا يزلن إلى عدد من التجاوزات، كعدم تحديد ساعات العمل، أو الإخلال بشروط العقد، أو حتى التحرشات الجنسية والاغتصاب، وهي نقطة إيجابية في حالة العاملة السعودية، التي ينص عقدها على العمل لمدة ثماني ساعات يومياً وفي غياب الذكور من أصحاب العمل - بغض النظر عن إمكان تحقيق ذلك على أرض الواقع - هذه العوامل الإيجابية أمكن تحقيقها في حالة العاملة السعودية ولا تزال مهملة بعد في حالة العاملات الآسيويات أو الأفريقيات، ويذكر الخبر أيضاً أن أياً من السيدات السعوديات المتقدمات للعمل في مهنة العاملات المنزليات لا يحملن أي شهادات تعليمية بما فيها الابتدائية. ويبرز الخبر المنشور إلى السطح ملاحظات عدة، أولاها: أن هناك حاجة حقيقية للعمل والكسب لدى شريحة من النساء السعوديات، وأن هذه الحاجة أهم بالنسبة لهن من أي مظاهر اجتماعية رافضة أو مستنكرة، وأن الدور الذي يفترض أن تقوم به مؤسسات التكافل الاجتماعي في الضمان المادي للمحتاجات من النساء لا يسد حاجة تلك الشريحة من النساء، فهناك فقر يمس النساء بالضرورة، بالرغم من كل مظاهر العمل الحكومي الرسمي في الضمان الاجتماعي، ومن كل ما يتردد عن ضرورة دعم النساء المحتاجات، سواء بواسطة الأجهزة الحكومية، أو أولياء أمور النساء أنفسهن - إن تواجدوا -، كما يبرز أيضاً تساؤل ما حول عدم حصول أي من النساء المتقدمات على الشهادة الابتدائية، بالرغم من توافر التعليم الحكومي بكل مراحله للجنسين، فهل مجرد الاهتمام بإيجاد قنوات للتعليم الرسمي ضمانة كافية لحصول النساء على التعليم والكفاءة للعمل؟ وهل أهمل المشرعون إلزام الأولياء بتعليم بناتهن ووضع ضوابط لضمان استفادة السعوديين والسعوديات كافة من فرص التعليم الحكومي المتاحة إلا لعذر قاهر يمنع من التعلم؟ العلاقة بين أصحاب العمل والعمالة المنزلية أيضاً كانت عاملاً مهماً في التخوف من فتح المجال للسعوديات في هذا العمل، ولا يمكن تجاهل صدور هذا الخبر بعد فترة قليلة من مناقشة مجلس الشورى لمسودة حقوق العمالة المنزلية وتحويلها إلى قانون معمول به، فهل كان القصد من ذلك تهيئة المجال لسعودة وظائف العمالة المنزلية باعتبارها الأقل تطلباً لأي مهارات، أو تعليم والأسرع في احتواء الأعداد الكبيرة من البطالة التي تعاني منها النساء هنا بالنظر إلى اعتماد المنازل السعودية الكبير على العمالة المنزلية؟ فهناك ما يعادل المليون ونصف عاملة منزلية رسمية حالياً في المملكة من الجنسيات الآسيوية والأفريقية، وهو رقم خيالي يشجع على الحلم بإمكان استبدالهن بسعوديات كحل لمشكلات البطالة النسائية، ولكنه في الوقت نفسه يثير تساؤلاً حول إمكان قبول أرباب وربات المنازل السعودية بعاملات سعوديات، في الوقت الذي تتقاضى فيه العاملة الأجنبية معاشاً أقل وتعمل لساعات أطول بلا أي اعتراض إلا فيما ندر؟ والوضع هنا يشابه كثيراً محاولات «السعودة الرجالية» التي تمت ولا تزال في المجالات الخدمية العامة، كقيادة سيارات الأجرة، ونقاط البيع في المحال التجارية،وشركات الأمن، وكلها تحاول توفير منافذ لشريحة معينة من السعوديين بلا تأهيل كافٍ للعمل في بعض الشركات الملتزمة بتطبيق ساعات عمل معقولة ودفع معاشات مقبولة. السؤال المطروح حالياً هل يمكن إلزام أرباب البيوت بتطبيق قانون حماية حقوق العمالة المنزلية مع صعوبة التأكد من ذلك بداخل البيوت، كما هي الحال في الشركات العامة، وهل هناك بعد التأكد من حاجة السعوديات للعمل والكسب أي داعٍ لمناقشة مسائل كالاختلاط في أماكن العمل، أو إذن الولي، أو ما إلى ذلك، أو أنه من الأجدى البدء في سن قوانين لحماية العاملين والعاملات في أي مقر للعمل من الإساءات بأشكالها كافة وفتح المجال للنساء السعوديات للعمل في كل مجال متوفر، سواء كان مختلطاً أم لا، فالإعانة على الكسب الشريف أفضل ما يمكن أن نقدمه لأي إنسان - رجلاً كان أو امرأة - ليحيا بكرامة بعيداً عن ذل الحاجة والسؤال. * كاتبة سعودية - الولاياتالمتحدة الأميركية [email protected]