لم يترك نتانياهو مناسبة، خلال الأشهر القليلة الماضية، إلا واستغلها للإعلان أنه على وشك ضرب إيران. إبتز الأميركيين، خصوصاً أوباما، إلى أقصى الحدود عشية الإنتخابات الرئاسية، علّه يحظى بدعم واشنطن لتنفيذ وعيده لكنه فشل في إقناعهم. تحالف مع المرشح اليميني ميت رومني. راهن على فوزه وعلى تغيير في البيت الأبيض يتيح له المزيد من حرية الحركة في الشرق الأوسط الذي يشهد تحولات تاريخية مفصلية، علّه يساهم أكثر في رسم الخرائط السياسية الجديدة، ويجدد دور إسرائيل حليفاً أوحد للولايات المتحدة والغرب، بعدما أصبح هناك من ينافسها على هذا الدور، خصوصاً في عصر العثمانية الجديدة وامتداداتها العربية والإسلامية. رهانات نتانياهو الأميركية فشلت. وأصبح عارياً أمام الرأي العام الإسرائيلي فكان لا بد له أن يحرك آلة الحرب لتنجده وتنقذ ماء وجهه. لكنه اصطدم بعدم قدرته على تنفيذ وعيده بضرب إيران، من دون دعم أميركي سياسي وعسكري، فحسابات أوباما العائد إلى البيت الأبيض مختلفة عن حساباته. لذا لم يكن أمامه سوى الهجوم على غزة، باعتبار «حماس» إحدى الأذرع الإيرانية الضعيفة، مطيحاً بهدنة كان لمصر دور رئيسي في إقرارها، خصوصاً أن قيادة «حماس» غادرت سورية، وبدأت تبتعد شيئاً فشيئاً عن طهران. وهي هدنة سعت إليها القاهرة الإخوانية لإعطاء نفسها فرصة ريثما تصوغ سياستها الفلسطينية التي بدت مؤشراتها مختلفة عن طروحات «الإخوان»، قبل الوصول إلى الحكم. وضع نتانياهو الحكم المصري أمام اختبار شديد الصعوبة: استجابته المطالب الشعبية بإلغاء اتفاقات كامب ديفيد وقطع العلاقات مع إسرائيل يضعه في مواجهة الولاياتالمتحدة التي لم تتردد لحظة في دعم الهجوم الإسرائيلي على غزة، وتجاهله هذه المطالب سيضطره إلى مواجهة الشارع الذي عبّر غير مرة عن عدم رضاه على سياسته الداخلية. وما لجوء رئيس الوزراء المصري الدكتور هشام قنديل لزيارة غزة، وإعلان إسرائيل وقف عملياتها في هذه المناسبة سوى محاولة جديدة للعودة إلى الهدنة. ولا بد أن نتانياهو سيطرح شروطاً كثيرة قبل الموافقة عليها، ومنها مشاركة القاهرة في مراقبة وصول السلاح إلى القطاع، خصوصاً أن صواريخ المقاومة المصنوعة في إيران طاولت تل أبيب للمرة الأولى في تاريخ الدولة العبرية. وعليها في هذه الحال أن تضغط على «حماس» التي تلقت في السابق وعوداً كثيرة، أوروبية وعربية، بتكريس حكمها في القطاع، وبكثير من الدعم المادي وفتح المعابر فأتى الهجوم الإسرائيلي ليقضي على كل هذه الوعود ويعيد الحركة إلى أرض الواقع. واقع يؤكد يوماً بعد يوم أن حكم «الإخوان» في مصر وغيرها لا يملك عصاً سحرية، وسيتابع سياسة الأنظمة السابقة لأنه ارتبط ب»تعهدات» خارجية كثيرة و»المؤمن لا ينكث العهد». نتانياهو استبدل الهجوم على إيران بهجوم على غزة، فحوّل الحكم المصري الجديد إلى كابوس.