حكاية تتكرر في الضفة الغربية كل موسم زيتون: اختلاط دم المزارع الفلسطيني المسكين مع زيت زيتونه وحبات عرقه وجبلها مع تراب الأرض الطيبة، جراء اعتداءات المستوطنين، كونه المستهدف بالاقتلاع كشجرة زيتونه الصامدة التي يرويها بدمه وعرقه، وسط معاناة وآلام تتجدد كل يوم. لنستقي العبر من حادثة غولدا مئير رئيسة الوزراء السابقة لدولة الاحتلال، والتي مرت يوماً بالجليل فعلّقت مستاءة لكثرة القرى العربية وقلة المستوطنين، ولاحقاً شنت هجوماً استيطانياً في أواخر الستينات والسبعينات بحملة تهويد الجليل، ويا للأسف الشديد نجحت. فتاوى دينية يهودية جاهزة يدعمها التحريف الذي حدث في التوراة قديماً، من أن أرض «الأغيار» يجوز حرقها ونهبها تقرباً إلى الله، هي التي تشجع المستوطنين على استهداف موسم الزيتون الذي يعتبرونه عرساً فلسطينياً خالصاً يجب تخريبه وتدميره، وتنغيص حياة المزارعين، وجعلها جحيماً لا يطاق. يشكل كتاب «عقيدة الملك» للحاخامين يتسحاق شابيرا ويوسف يرمياهو اليتسو»، نموذجاً لكيفية تحريض الفتاوى الدينية على استهداف الفلسطينيين، حيث يبيحون فيه قتل الأغيار (أي غير اليهود)، في الظروف التي تسمح فيها الشريعة اليهودية بقتلهم في أوقات السلم والحرب، وانطلاقاً من الحرص على إقامة الفرائض السبع، فإنه لا يوجد ما يمنع ذلك، ولاحقاً لا بأس إن ملأ الفلسطينيون الدنيا ضجيجاً وصراخاً. أكثر ما يغيظ المستوطنين من على قمم جبال الضفة الغربية وتلالها رؤيتهم المزارعين الفلسطينيين وهم يقطفون ثمار زيتونهم في لوحة فنية وتراثية رائعة، في الوقت الذي تفتقد فيه مستوطناتهم عمق التاريخ وعبقه. المستوطنون، وبعد مشاهدتهم فرحة قطف الزيتون يصبون جام غضبهم وحقدهم في كل زاوية من زوايا الضفة الغربية والقدس، ويخترعون كل يوم أسلوباً جديداً لإفساد حياة الفلسطينيين. ظاهرياً أميركا لا تريد الاستيطان، وعلى أرض الواقع هي من تدعمه وترفض المس به، عبر الوقوف في وجه الفلسطينيين في المحافل الدولية، ومن هنا خطأ التعويل على الدور الأميركي والقول بحياديته. الدارس لأدبيات الحركة الصهيونية يرى بأن موضوع العزل والجدار والاستيطان، هو من صميم الثقافة الصهيونية، وهذا يفسر فشل المفاوضات طيلة عشرين عاماً، وعدم نجاحها في وقف الاستيطان، ولن تنجح حتى ولو عادت المفاوضات لعشرين سنة أخرى. المنطق يقول إنه لا يجب ترك أي وسيلة ضغط لطرد المستوطنين، على أن نجيد استخدامها في الوقت والزمان المناسبين. فضح الاستيطان دولياً جيد، مع الأخذ في الاعتبار أن علاقات الدول لا تتخذ بناءً على العواطف والحقوق بل على المصالح والقوة، وبالتالي لا يجب أن يكون طرق الباب الدولي هو الوحيد والرئيس، كما هو حاصل الآن. اللعب على قضية المجتمع الدولي خطرة جدا لأن الضعيف –وان كان صاحب حق- لا يحترمه هذا المجتمع الذي تتحكم فيه أميركا، بل يحترم القوي ولو كان ظالماً كما هو حاصل مع دولة الاحتلال، وبالتالي يقتضي الأمر امتلاك أوراق قوة ضغط لثني أميركا عن مواقفها المتحيزة. إحدى أوراق القوة للشعب الفلسطيني هو جعل الاحتلال يدفع فاتورة عالية لاحتلاله واستيطانه، ولنأخذ العبرة حديثاً من طرد الاحتلال من جنوب لبنان وقطاع غزة، حيث قال ارييل شارون يوماً بان مستوطنات غزة ال 22 هي مثل تل الربيع «تل أبيب»، وإذا به لاحقاً يهدمها بيديه ويخرج صاغراً منها، بفضل قوى المقاومة الفلسطينية على اختلاف مشاربها وبرامجها وقوتها.