في منبج يذهب الاطفال الى المدارس وتتبضع ربات العائلات بينما يعمل الفنانون والصحافيون في هدوء من دون خوف من الرقابة، فالمدينة الواقعة شمال غربي البلاد باتت تعد نموذجاً لما قد تكون عليه سورية ما بعد الاسد. وخلافاً لمدن اخرى في هذه المنطقة الشمالية من سورية، لا تعبأ منبج بالنزاع بين قوات الرئيس السوري والمعارضة، والذي خلف اكثر من 39 ألف قتيل وفق منظمة غير حكومية. ويقول سكان المدينة ان جنود النظام رحلوا مسرعين في تموز (يوليو)، الامر الذي جنّب منبج معارك طاحنة كالتي تشهدها حلب، في حين لا تنشر قوات المعارضة فيها سوى القليل من عناصرها. وتعيش المدنية بمنأى عن ويلات الحرب، فقد أنشأ مسؤولون مدنيون فيها صحفاً مستقلة ونظموا عمليات تنظيف كبيرة للشوارع، وطلبوا من الفنانين رسم رسوم كاريكاتورية محلية وكل ذلك على امل النهوض بالروح الجماعية. وتخلى هؤلاء المناضلون المدنيون عن عملهم او الدراسات التي كانوا يتابعونها في حلب ودمشق، فهم يعلنون انهم مثقفون ليست لديهم اي رغبة في القتال ويعتقدون ان في امكانهم الدفع بالديموقراطية عبر فنون الشوارع والصحف. وأوضح فايز ابو قتيبة مدير «هيئة شباب المستقبل» وهو لا يكل من تكرار ان «هدفنا هو مساعدة بلادنا في هذه اللحظة الحرجة على ارشاد الشباب نحو المستقبل في هذا الظرف الذي غابت فيه الحكومة». وأضاف ان «الناس يعملون، انهم ينظفون الرصيف امام محالهم، اننا نطرح على كل من يريد الانضمام الينا ان يختار ما الذي يريد القيام به». وعلى جدران منبج، تلفت الرسوم الكاريكاتورية أنظار المارة وتحدث وقعاً خاصاً في بلد يشهد نزاعاً شديداً. ويدين رسم الانتهازيين بينما يشجع رسم آخر سائقي السيارات على عدم الإفراط في استعمال المنبه. ويمثل رسم ثالث مسؤولاً حكومياً سميناً، وقد عصبت عيناه وقيّد الى كرسي وهو يقول: «الكرسي هو المذنب، لست انا»، وذلك تنديداً بالفساد وضعف نظام بشار الأسد. وبعد ان درس الترجمة اصبح احمد (24 سنة) راقصاً في دمشق وهو الآن من بين الفنانين المساهمين في المشروع. وروى الشاب ان «طيلة اربعين سنة حاول نظام (الاسد) قمعنا، لم نكن نستطيع ان نفعل ما نريد، لم يكن امامنا سوى أن ندرس، لم يكن هناك عمل ولا مؤسسات، والاقتصاد في انهيار، لكننا الآن نبدي رأينا في كل الامور». وأضاف «بدأنا نرسم على الجدران وفي يوم من الايام فكرت مع بعض اصدقائي ان نؤسس صحيفة، لكن ذلك لم يتم بين عشية وضحاها». غير ان صحيفة «صوت الحرية» بلغت الآن عددها السابع، وبين النظام والمعارضة اختارت الاسبوعية طريق الوسط. وفي عددها في تاريخ 22 تشرين الاول (اكتوبر)، تحدثت «صوت الحرية» عن كاتب سوري، عن ممثل ترك دراسته في الولاياتالمتحدة لينضم الى مكافحة النظام، لكنه اعتقل في دمشق، وتناول سجل وفيات الصحيفة حياة احد المقاتلين المحليين بينما انتقدت الافتتاحية فصائل المعارضة التي تقضي وقتها في التبجح اكثر من استهداف الطائرات المقاتلة التي ما زالت من حين لآخر تقصف منبج بقنابلها. وأكد باسل رئيس تحرير «صوت الحرية» انه كان يحلم منذ زمن طويل بتأسيس صحيفة مستقلة، لكن ذلك كان مستحيلاً في عهد النظام. وقال: «في السابق كانت الصحافة حكراً على بعض المجموعات الدينية وقسم من البورجوازية وبعض المثقفين، لكننا تجاوزنا ذلك ونقترب من النموذج الديموقراطي».