تدخل عملية السلام بين الحكومة الكولومبية وثوار حركة القوات المسلحة الثورية في كولومبيا (فارك) غداً الخميس في صلب الموضوع في كوبا التي تستضيف مفاوضات صعبة على أمل تسوية آخر نزاع أهلي في أميركا اللاتينية مستمر منذ نصف قرن. وبعد انطلاقة رمزية في 18 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي في النروج التي ترعى أيضاً المفاوضات، يلتقي موفدو المعسكرين في هافانا لإطلاق محادثات ما زالت مدتها ونتيجتها غامضة. وتشهد الجزيرة الشيوعية التي تحتضن موفدي «فارك» منذ أشهر، اتصالات متكتمة تجري منذ أشهر وأدت إلى اتفاق على فتح هذه المفاوضات في رابع محاولة حوار مع حركة التمرد الماركسية. واعتبر المحلل السياسي اليخو فارغاس الأستاذ في جامعة بوغوتا الوطنية أن كوبا «أفضل مكان ممكن، لأنها تضمن للطرفين فضاء هادئاً مع أفضل عزلة ممكنة»، مشدداً على أن حركة التمرد تكن للنظام «احتراماً كبيراً». غير أن لهجة زعيمي وفدي التفاوض خلال وجودهما في النروج تنبئ بتوترات شديدة لا سيما دعوة الرئيس السابق أومبرتو دي لا كايي إلى «إلقاء السلاح» وتهجم الرجل الثاني في «فارك» ايفان ماركيس على النظام الرأسمالي «السفاح». وتحدد جدول زمني للمناقشات التي ستتناول أولاً التنمية الريفية وهو موضوع حاسم في كولومبيا حيث كانت مصادرة الأراضي خلف اندلاع الثورة وتأسيس «فارك» في 1964. كذلك هناك مواضيع أخرى شائكة على جدول الأعمال كمشاركة المتمردين في الحياة السياسية وإنهاء الأعمال العدائية ومكافحة تهريب الكوكايين في أكبر بلد منتج في العالم وأخيراً حقوق الضحايا الذين تعرضوا لتجاوزات ارتكبها الجيش وحركة التمرد على حد سواء. وخلف النزاع الذي شهد أيضاً مشاركة قوات شبه عسكرية من اليمين المتطرف نزعت أسلحتها والتحق العديد من عناصرها بالعصابات الإجرامية، مئات آلاف القتلى ونحو أربعة ملايين نازح، بحسب الأممالمتحدة. ودعا الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس الذي يتولى الحكم منذ 2010، مواطنيه إلى «تضميد الجراح» وحض حركة التمرد على «احترام الأجندة المتفق عليها». ونفت «فارك» أن تكون لديها أي «أجندة موازية أو خفية» غير أن الناطقة باسم الحركة تانيا نيميير الهولندية التي التحقت بحركة التمرد بعد دراسات في كولومبيا، حذرت من أن السلام لن يأتي من «صمت البنادق» بل من «العدالة الاجتماعية». وتوقع فارغاس أن «تكون مفاوضات صعبة ومعقدة جداً وعلى درجة كبيرة من الغموض» غير أنه أبدى «مزيجاً من التفاؤل والواقعية». وإضافة إلى مسألة الأراضي توقع المحلل نشوب صعوبات قانونية حول عمليات «العفو» التي تطالب بها حركة فارك في حين علقت الحكومة نحو 200 مذكرة توقيف بحق موفدي المتمردين. كذلك تواجه المفاوضات مسألة شائكة أخرى هي عدم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار حيث أن بوغوتا ترفض إزالة الضغط على حركة التمرد التي ضعفت بعد مطاردة عسكرية دعمتها الولاياتالمتحدة وأدت إلى خفض عديد عناصرها إلى النصف في عشر سنوات. ولم تعد «فارك» تعد حسب الحكومة سوى 9200 مقاتل، معظمهم لجأوا إلى المناطق الريفية حيث يقع كل الهجمات تقريباً. وقد تنضم حركة تمرد شيوعية أخرى وهي جيش التحرير الوطني، الأقل حجماً من «فارك» ولا يتجاوز عدد مقاتليها 2500، إلى المفاوضات مع الحكومة. وقال فارغاس إن «وقف إطلاق النار مستحب نظرياً لكن من المستبعد أن يدوم» حتى لو أن التقدم في المفاوضات قد يسمح في نظره ب «الخفض من حدة النزاع»، على حد قوله. وحددت السلطات التي تخوض سباقاً ضد الوقت، «ببضعة أشهر» مدة المفاوضات فيما حذرت «فارك» من أن التحدث عن «سلام سريع» هو وهم.