أصابت سوق الأسهم ملايين في مجتمعنا وفي العالم بوباء من الحمى استعصى على اللقاح والدواء حتى الآن، وفاق الملاريا وحُمَّى الوادي المتصدع، وتفوق على الحمى التي أصابت أبا الطيّب المتنبي فخلخلت أوصاله وأسالت عرقه: وزائرتي كأن بها حياءً فليس تزور إلا في الظلامِ بذلتُ لها المطارف والحشايا فعافتها وباتت في عظامي لأن حمى الأسهم تزور أصحابها في الظلام والنور، في الليل والنهار، ولا تبيت في العظام بل في القلب والأعصاب وأعماق الدماغ، فكثيرون جداً أقلقت الأسهم حياتهم وسلبتهم راحتهم وأفقدتهم أعصابهم وأصابت كثيراً منهم بالأمراض النفسية الخفية والظاهرة كالاكتئاب والقلق والوسواس والأرق والهوس أحياناً وتوهم المرض ومحادثة النفس والهواجيس الملحة حتى في الصلاة عند بعض المتعلقين في الأسهم المُفرطين في الديون.. وحمى الأسهم التي اجتاحت العالم كله في السنة الأخيرة كالوباء البغيض، وصارت هم الكبير والصغير، وقلق الغني والفقير، أصابت مجتمعنا أكثر من غيره رغم أن الأزمة الحقيقية لم تقع عندنا، ويعود هذا إلى أن النسبة العظمى من المتداولين لدينا هم الأفراد (أكثر من 90٪ من التداولات من نصيب الأفراد) بعكس المجتمعات الأخرى التي النسبة العظمى في التداولات لديها تقوم بها مؤسسات متخصصة.. من ناحية أخرى فإن سوق الأسهم لدينا أصابتها تقلبات عنيفة جداً خلال السنوات الأربع الماضية فارتفع المؤشر من حدود ثلاثة آلاف إلى عشرين ألفاً ثم هوى إلى حدود أربعة آلاف والمتداولون يركبون المؤشر كما يركبون طائرة تمر بمنخفضات جوية هائلة تخلع القلوب وتزيغ الأبصار وتتلف الأعصاب.. وحل هذه المعضلة يكون بالاعتدال في الشراء والبعد عن التسهيلات والديون، والاحتفاظ دائماً بسيولة كافية تدفئ القلب وتريح الأعصاب والبعد عن الطمع الذي يجعل الأغنياء فقراء والأصحاء مرضى، أما العمل المؤسساتي لدينا عبر الصناديق الاستثمارية المتنوعة فلا يزال في حاجة إلى خبرات أكثر وإخلاص أكثر حتى يستعيد ثقته المفقودة بعد نكبة فبراير التي لا تزال حُماها تنهش الأعصاب والعقول.