تستضيفه السعودية وينطلق اليوم.. وزراء الأمن السيبراني العرب يناقشون الإستراتيجية والتمارين المشتركة    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    البرهان يستقبل نائب وزير الخارجية    كاساس: دفاع اليمن صعب المباراة    قدام.. كلنا معاك يا «الأخضر»    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    إحالة ممارسين صحيين للجهات المختصة    جواز السفر السعودي.. تطورات ومراحل تاريخية    حوار «بين ثقافتين» يستعرض إبداعات سعودية عراقية    5 منعطفات مؤثرة في مسيرة «الطفل المعجزة» ذي ال 64 عاماً    التحذير من منتحلي المؤسسات الخيرية    لمن القرن ال21.. أمريكا أم الصين؟    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    استشهاد العشرات في غزة.. قوات الاحتلال تستهدف المستشفيات والمنازل    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    مترو الرياض    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    القصيم تحقق توطين 80% من وظائف قطاع تقنية المعلومات    المدينة المنورة: وجهة استثمارية رائدة تشهد نمواً متسارعاً    مشاهدة المباريات ضمن فعاليات شتاء طنطورة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    الأمير فيصل بن سلمان يوجه بإطلاق اسم «عبد الله النعيم» على القاعة الثقافية بمكتبة الملك فهد    جمعية المودة تُطلق استراتيجية 2030 وخطة تنفيذية تُبرز تجربة الأسرة السعودية    نائب أمير الشرقية يفتتح المبنى الجديد لبلدية القطيف ويقيم مأدبة غداء لأهالي المحافظة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    المملكة واليمن تتفقان على تأسيس 3 شركات للطاقة والاتصالات والمعارض    اليوم العالمي للغة العربية يؤكد أهمية اللغة العربية في تشكيل الهوية والثقافة العربية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    طقس بارد إلى شديد البرودة على معظم مناطق المملكة    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    المملكة ترحب بتبني الأمم المتحدة قراراً بشأن فلسطين    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    وصول طلائع الدفعة الثانية من ضيوف الملك للمدينة المنورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بيت .. لله يا محسسنين
أزمة السكن
نشر في الرياض يوم 24 - 06 - 2011

من كان يظن أن يصبح الحصول على مسكن كالبحث عن إبرة في كوم قش أو تتصاعد المشكلة لتصبح مثل المعضلات الرئيسة في حياة العرب كالبطالة والعنوسة.
قبل أن تقرأ هذا الملف تحسس جدرانك جيداً إن كنت تملكها فقد صارت نعمة عليك أن تشكر الله عليها كثيراً.
أحلام السراب
سعيد العرفج الذي يبلغ من العمر 36عاماً يقول حلم الزواج تحول إلى سراب بسبب استحالة الحصول على مسكن رخيص في الرياض فراتبي لا يكفي لسداد فاتورة السكن فكرت كثيراً في الحل ولم أجد؛ لذلك تأخر حلم الزواج عشر سنين.
وخالد مجرشي الذي يعيل عائلة مكونة من سبعة أطفال يقول بلسان العاجز المثقل بالهموم: دخلي لا يسمح لي سوى باستئجار شقة تأويني أنا وعائلتي إلا أنها صغيرة جداً وأبنائي يزيدون في الإلحاح كل يوم للحصول على مسكن أوسع وكيف أستطيع والأسعار مبالغ فيها ولا نظام للتقسيط المريح.
ويقول سعد العسيري بحرقة قررت أن أبني منزل العمر لي ولعائلتي أقدمت على ذلك معتمداً على ربي بما توافر لي من إمكانات لكن سعر الأرض وارتفاع مواد البناء وجشع المقاولين امتص ما ادخرته من مال وها هو العام الخامس من شروعي في البناء ولم أنجز مشروع العمر.
سكن للعزاب
يبدو أن مشكلة أخرى بدأت تتفاقم ولا حلول جذرية أو اهتمام من قبل المعنيين بالإسكان في المملكة، ألا وهي سكن العزاب كما يقول فهد الهاجري: من الصعب إيجاد سكن للعزاب في السعودية بسبب العادات والتقاليد التي تفرض عمائر خاصة لسكن العزاب، إلا أن هذه التقاليد التي نتفق عليها لم ينشأ معها اهتمام من قبل المستثمرين ببناء وحدات سكنية تؤجر للعزاب، حتى المكاتب العقارية تضع أمام باب المحل لافتة (عفواً لا نؤجر للعزاب)، ويعزو صديقه ياسر الراجح الأمر إلى قلة المعروض وكثرة الطلب ويؤكد وجود أزمة سكن للعزاب يتجاهلها البعض إلا أنه واقع لا يدركه إلا من يمر بظروفنا، في الحقيقة الحصول على سكن للعزاب كالحصول على وظيفة في زمن البطالة.
ويضيف وليد الفالح ملاك ومسوقو العقار استغلوا العزاب استغلالاً مؤسفاً فالمالك يؤجر شقة من غرفة صغيرة وصالة مقابل 16ألف ريال وهو سعر مبالغ به جداً فبهذا المبلغ تستطيع الحصول على شقة عوائل جيدة جداً مؤلفة من غرفتين وصالة ومجلس.
آثار اجتماعية
يقول أ. د. علي باهمام (أستاذ العمارة والإسكان) كلية العمارة والتخطيط جامعة الملك سعود: إن صعوبة الحصول على المسكن الملائم ظهرت نتيجة لتحول المجتمعات العربية من المجتمعات الريفية والبدوية إلى المجتمعات الحضرية، بشكل عام. كما انساقت بعض المجتمعات العربية خلال فترات الطفرات الاقتصادية، وراء نماذج سكنية كبيرة ومكلفة، حتى أصبحت نماذج الوحدات السكنية الكبيرة مطلباً اجتماعياً لكل أسرة. ومع الظروف الاقتصادية الراهنة لم يعد من السهل على الكثير من الشباب الحصول على الوحدات السكنية الكبيرة أو تأمينها خصوصاً مع نقص أو انعدام الدعم الحكومي. أضف إلى ذلك افتقار سوق الإسكان إلى نماذج وبدائل ميسرة للمساكن التي تحقق على الأقل المتطلبات الأساسية للأسر المتكونة حديثاً.
مشكلة عالمية
من جهته يقول د. عبدالله ابراهيم الفايز- معماري ومخطط حضري وعضو اللجنة العقارية بالغرفة التجارية الصناعية بالرياض ورئيس لجنة الأحياء السكنية: تبدو المشكلة عالمية ليس في العالم العربي فقط فجميع دول العالم تواجه مشاكل الإسكان وقد دأبت معظم دول العالم ومنذ عقود على إيجاد حلول لمشاكل الفقراء وأهمها مشاكل الإسكان وتوفير المأوى وخاضت في ذلك تجارب مريرة وفشلت في معظمها. وقد تكون تجارب البنك الدولي من أفضلها. فالفقر لا يحل بتأمين الإسكان وإنما بالتخطيط للرفع من مستوى الفقراء وفق خطة مستقبلية لتطويرهم وتفعيل دورهم في المجتمع وتعليمهم للمشاركة في بناء مساكنهم. وتعود أسباب فشل هذه المحاولات إلى عدم تفهمنا لظاهرة الفقر وجذورها. وعدم التخطيط لإشراك الفقراء في عملية بناء مساكنهم. ومن أكبر الأخطاء التي عانت منها التجارب السابقة التركيز على تخصيص أحياء أو مناطق على أطراف المدن ووضع بصمة أحياء الفقراء عليها وكأنما الهدف هوعزلهم عن بقية المجتمع وتعريفهم أو الازدراء منهم بوصفهم بإسكان الفقراء أو ذوي الدخل المحدود. وأنجح الحلول في نظري أن يتم تناول الموضوع بجدية وبنظرية التكافل الاجتماعي الإسلامي.
عجز واتساع
ورغم ما تشكله أزمة الإسكان من هاجس مثير لقلق الجهات الحكومية في اليمن، لما لها من آثار وتبعات سلبية على الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي العام، إلا أن من المفارقات الغريبة التي تبرهن عليها طبيعة هذه الجهود المتواضعة، وهي لا تتعدى ورش العمل والندوات الموسمية والتصريحات الإعلامية، والدراسات والإستراتيجيات حبيسة الأدراج.
ولعل من بين أبرز الجهود والخطوات العملية التي نقلت هذه الجهود من إطارها التنظيري إلى الواقع العملي، ما سبق وأن ذكره تقرير صادر عن وزارة الأشغال العامة والطرق اليمنية من أن الوزارة استكملت مؤخراً إجراءات تحديد المواقع لعدد 6000وحدة سكنية كمرحلة أولى بتكلفة تقديرية تصل إلى 25مليار ريال يمني، توزعت على 10مليارات ريال تمويل حكومي، و 10مليارات ريال من الهيئة العامة للتأمينات والمعاشات وبنك التسليف التعاوني الزراعي ملياري ريال، ومليار ريال من وزارة الأوقاف والإرشاد وصندوق التشجيع السمكي ملياري ريال.
ورغم ما يشير إليه التقرير من معالجات إلا أن ثمة الكثيرين يشككون في نوعية المستفيدين منها، على عكس المهتمين والخبراء ممن تمثل محط تقدير بالنسبة لهم مع أنها تظل معالجات آنية وأولية وسطحية وغير جوهرية لحل جذور المشكلة حسب رؤيتهم.
وأشاروا إلى أن المعالجات لا تبين المعوقات التي تتصدى لتحقيق أهداف السياسات الإسكانية الطموحة، ولا تحديد معالم قطاع الإسكان وسياسات استعمال الأراضي وموقع قضايا الحيازة السكنية والعقارية من المنحى العام لهذه السياسات، كما أنها لا تسلط الضوء على خصوصية الإشكالية الإسكانية وأبعادها الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية وحتى السياسية. ولا ترصد التطور الحاصل في أدوار الحكومات والسلطات المحلية والقطاعات العامة والتعاونية والخاصة والأهلية، وكذلك دور الأفراد في تلبية الاحتياجات الإسكانية.
السكن في البدروم
يعبر يوسف أحمد عن حاله في طلب سكن قائلاً: بعد زواجي عشت مع أهلي لكن مع إنجاب زوجتي ضاق المكان وحاولنا البحث عن شقة رغم أن هذا يزيد من تكاليف الحياة اليومية، وفي نفس الوقت قدمت طلباً للسكن الذي يستغرق الوقت الطويل، فهذه هي معاناة الشباب الكويتي في السكن عند الزواج، ولا أعتقد أنها تقتصر على فئة دون أخرى، بل في مختلف الدول العربية. خاصة أن بعض الأسر لا تحبذ سكن الزوجة مع أهل الزوج وهنا يجب الاستئجار..
ويشاركه الرأي ناصر الناصر قائلاً: مشكلة السكن ليست بمشكلة جديدة، بل بالعكس ازدادت اتساعاً مع مرور الوقت ومع وزيادة عدد السكان والخطط، كما هي ما زالت بطيئة وإن تم إنجاز مدن للسكن تكون بعيداً عن وسط المدينة. لذا أعتقد أن المشكلة تتفاقم عربياً وما نراه في مصر على سبيل المثال دليلاً على ذلك حيث هناك من يعيش في السرداب (البدروم) أو في المقابر، ولعل هذا الوضع قد يعيشه آخرون في دول عربية أخرى. فلا بد من إيجاد حلول جذرية وسريعة في ظل وجود الإمكانات لتحقيق ذلك.
الحياة في علب سردين
خلف طريق "المطار اللبناني"، دخلنا الزواريب ليس بحثاً عن الدكاكين، بل عن حالات تتجاوب معنا، فالتقينا الحاجة أم حسين زوجة وأم لستة أولاد غالبيتهم من البنات التي سطرت أوجاعهم قائلة: سكنت أنا وزوجي (الدهان) في هذا البيت منذ 17عاماً، ضحيت كثيراً لعل أمور زوجي تفرج ونستطيع الانتقال إلى بيت حقيقي على الأقل غرفتين. معاناتي بدأت بعد إنجابي طفلتي الثانية "نعمة" فأصبحت الغرفة ضيقة علينا لأننا اضطررنا لشراء فرشة رابعة، وبعد إنجاب طفلتي الثالثة "زينب "بدأت بالاختناق واضطررنا لهد الحيط لتوسيع الغرفة مما استوجب علينا دفع ضريبة للبلدية، هذا عدا أن أدفع سنوياً 1800دولار كبدل استثمار عدا فواتير الكهرباء والمياه والبلدية.
يقع بيت الحاجة أم حسين على مفترق طريق بين شارع مؤدي إلى الرمل العالي وشارع مؤدي إلى الطريق العام وهنا تكبر المعاناة وتزداد، حيث تتابع قائلة: "بناتي صرن كباراً، ولكن أولادي "الصبيان" لا يستطيعون اللعب إلا في الشارع وأخاف عليهم كثيراً من دهس السيارات، وكما ترين بيتي أو "دكانتي" بالكاد تساعدنا هذا عدا أننا في الشتاء تفيض علينا مجاري الصرف الصحي وتدخل دارنا فاضطر لوضع أولادي عند الجيران حيناً كي أستطيع تمسيح المياه، ناهيك عن ضجيج السيارات والزمامير وعجقة السير، والكلام البذيء الذي نسمعه، والأسوأ في الموضوع هو قيام المارة برمي النفايات في الشارع فاضطر إلى تكنيس مدخل الدكان يومياً من جراء السجائر والغبرة.
بحسرة والدموع ترقرقت في عينيها: صدقيني لو قلت لك أني تمنيت الموت أكثر من مرة ولكن الله سبحانه وتعالى يلهمني الصبر والسلوان لتربية أولادي الستة، فعندما يصاب أحد أفراد عائلتي بالزكام مثلاً يعدي كل إخوانه وأخواته.
وهنا بادر إلى ذهني سؤال عن ممارسة الحق الشرعي للزوجة والزوج..؟
تضحك باكية: "عندما يطلب مني زوجي ذلك أرسل بناتي إلى الجيران وأولادي إلى الشارع سارقين الوقت، ولكن الموضوع ليس سهلاً.
حرمان من الأمومة
في نفس الشارع دلتنا الحاجة أم حسين على العروس الجديدة كما يدعونها هناك وتدعى "خديجة" التي لم يتجاوز سنها 24عاماً. تقول "خديجة": "تزوجت من سنتين من ابن خالتي "خليل" وأنا أصلاً من عائلة فقيرة".
وعدني قبل الزواج خلال فترة الخطوبة أن يشتري لنا بيتاً صغيراً لتكوين عائلة وقدم طلبه إلى وزارة الإسكان اللبنانية ووعدوه بأن تم تلبية طلبه بعد ثلاثة أشهر، ولكن ما حصل أن توفي والدي خلال الحرب وأصبح محرماً عليّ دخول خطيبي لداري فاضطررت لعقد القرآن وانتقلت للعيش معه في هذه الدكانة. وتابعت: كان "خليل" يملك محلاً لبيع الألبسة الشرعية في منطقة "طريق المطار" ولكن العدوان الإسرائيلي دمر المحل واحترقت كل البضاعة ورغم أن التعويضات كانت كافية إلا أن زوجي فضل شراء محل أكبر وأوسع في منطقة "الشويفات" ووضع كل المال لثمن البضاعة والديكور، وهنا وقعت المشكلة الثانية أني ما زلت أعيش في نفس الدكان، بالإضافة أن طلبه لبنك الإسكان قد رفض بسبب التعويض عليه أولاً من قبل "حزب الله" ولأنه أصبح مستأجراً وليس مالكاً، وبدأت المشاكل معه لذا قررت عدم الإنجاب منه وما زلت أعيش في نفس المستوى الاجتماعي؛ لأن محله الحالي لا يدر عليه المال بسبب غلاء المعيشة والجمارك وبدلات الإيجار والمواصلات كل يوم.. لذا قررت عدم الإنجاب لعدم تعرض أولادي لما أتعرض له أو كنت تعرضت له من حرمان وشقى عند أهلي وزوجي.
حلم الإيجار
بالرغم من أن مشكلة الإسكان مشكلة عامة في الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه، إلا أن هذه المشكلة تظهر بوضوح شديد في (مصر) على وجه الخصوص، خاصة بعدما اعتمدت وزارة الإسكان النظام الاستثماري، فامتنعت الوزارة عن إنشاء الشقق منخفضة التكاليف والمتوسطة، وقررت بيع أراضي المدن الجديدة كفيلات أو ما أسمته بأراضي الإسكان العائلي، ولم تكتف الوزارة بذلك بل رفعت سعر الأرض من 250جنيهاً إلى 480جنيهاً، لتشتعل أسعار الأراضي في المدن الجديدة.
مطلوب خمسة ملايين وحدة
والدراسات المختلفة ومنها دراسة أعدتها لجنة الإسكان بالبرلمان المصري أكدت أن مصر في حاجة إلى 4ملايين و 392ألف وحدة سكنية لمواجهة الطلب المتزايد على السكن وتحتاج إلى 800ألف وحدة لمواجهة النقص المتراكم في الوحدات السكنية ومليونين و 200ألف وحدة لمواجهة زيادة السكان، و 600ألف وحدة للإحلال والتجديد، خلاف ما يحتاجه سكان المقابر الذين تتراوح أعدادهم بين 500ألف ومليون نسمة، بالإضافة لحالات الزواج الحديث، التي تقدر ب 489ألف حالة سنوياً تحتاج إلى حوالي 250ألف وحدة سكنية إن لم يكن أكثر.
30فرداً في شقة!
تضم عائلة العم حسين القاطنة ببيت من ثلاث غرف وصالة بأحد الأحياء الشعبية لا يتجاوز 80متراً في الجزائر العاصمة منذ الاستقلال، 30فرداً إذ زوج العم حسين أبناءه الثلاثة وأعطى كل واحد منهم غرفة، وتفرعت الأسرة الواحدة إلى أسر لا يمكن أن نسميها بالأسر الصغيرة؛ لأن أصغرها أصبح متكوناً من خمسة أفراد، وكما يقول أحد أفرادها أنجبنا أطفالاً على أمل أن يشفعوا لنا في نيل بيت من بيوت ذوي الدخل المحدود، واتفقنا على أن واحداً من الإخوة يتحصل على بيت ينتقل معه شخص منا لنخفف الضغط على بيت الوالد، ولكن هذا البيت لم يأت إلى حد الآن، وكلنا نعمل مهناً بسيطة لا تمكننا أبداً من الإيجار وإن وضعنا نحن الإخوة رواتبنا لما تمكننا من إيجار بيت واحد لننتقل فيه، ويقول بشأن الأبناء الذين أنجبوهم أن البنات بمجرد أن يكبرن قليلاً ينمن مع والدته وأختيه اللتين لم تتزوجا بعد بالصالة والذكور برفقة الوالد والعم في المطبخ، والأمل في أن يتمكن أبناؤه من مد قدميهم للنوم بأريحية ما زال يتابعه ليقتات عليه وإلا سيصل إلى الهاوية كما قال.
آسيا بطلة أخرى لقصص الباحثين عن بيت في الجزائر، تزوجت وكانت من بين المحظوظات؛ لأنها تمكنت من استئجار بيت اعتماداً على راتبها لأنها عاملة، وتجشمت هي والزوج مشقة السكن في حي شعبي بمدينة البليدة التي تبعد ب 45كم عن العاصمة التي يعملان بها ويسكن فيها أهلوهما، هذا الحي كما يقول زوجها بوعلام لا يتوقف القاطنون به عن خلق مشكلة جديدة كي لا يعرف الحي أبداً لحظة من السكون لا ليلاً ولا نهاراً، سكناً وأنجبنا الطفل الأول وكنا نحمد الله على هذه النعمة كل ما التفتنا من حولنا ورأينا كم من شخص يبحث عن سكن ولكنه لا يجد ما يتماشى مع قدرته المالية، وفي الحمل الثاني لزوجتي وفي فترة الولادة كان علينا دفع سنة الإيجار مقدماً كالعادة، ونحن قد وفرناها ولكن على أساس ثمن الإيجار السابق ولكن المالكة للبيت ضاعفت ثمن الإيجار، وقالت لنا بصريح العبارة إما الدفع أو الخروج؛ لأن الذين يودون إيجار البيت كثر، ولم يكن عندي حل غير حمل الثاني وهو الخروج إلى حيث لا أعلم، وعندما وضعت زوجتي مولودها أخذتها إلى بيت أختها القاطنة بأقدم الأحياء الشعبية في الجزائر وهو القصبة، كانت أختها تسكن في غرفة واحدة ومن سوء الحظ أن ابنة أختها أيضاً كانت نفساء، ولما ضاق الأمر بزوجتي من شدة ضيق المكان طلبت مني العودة إلى بيتها وتنازلت على أن تخدم في فترة النفاس مقابل أن تشعر بالراحة في بيتها وبمجرد ما أعلمتها بأمر الإيجار دخلت في صمت طويل، وبدأت رحلتي معها عند الأطباء النفسانيين إلى يومنا الحالي وعندما رأت والدتي التي رفضت بشكل قطعي أن نسكن معها، حالة زوجتي التي كانت تزداد تدهوراً ونحن نتنقل كل يوم بين بيت الأهل والأصدقاء أعطتنا غرفة صغيرة ولكن بعد أن دخلت زوجتي في اكتئاب طويل، وكما قال لي الأطباء لم تعد تر ى في الحديث جدوى فآثرت الصمت، وفقدت عملها وفقدت أنا السكنين البيت وسكني الأول وزوجتي التي لم تعد كما الأول منذ ذلك الوقت.
الحركة في غرفة!
نادية كما تقول قبضت على الجمر لمدة عشر سنوات وهي تتقاسم بيتها مع إخوة الزوج ومن بينهم أخ متزوج وله أبناء، تزوجت نادية في سن 21وانتقلت للعيش في بيت الزوج، ولم يكن البيت يشكل عائقاً لأنه يملك بيتاً في قلب العاصمة، ولكن هذا البيت بين ليلة وضحاها أصبح يشاركها فيه أسرة أخرى وثلاثة شباب عزاب، والبيت من غرفتين وصالة فأصبح العزاب ينامون في الصالة والأخ المتزوج في الغرفة المتبقية لمدة عشرة أعوام متتالية أنجبت فيهما طفلين وكانت تراهما لا يلعبان كالأطفال ولا يتحركان إلا في حيز ضيق جداً وهي الغرفة، وأصبحت لا تملك من البيت إلا غرفة واحدة تقل راحتها فيها يوماً بعد يوم كلما كبر أولادها.
نفيسة سيدة في عقدها الخامس لم توفر لحد الآن هي وزوجها ثمن شقة وهي لا يتجاوز راتبها 200دولار في حين تصل الشقق في الأحياء الشعبية إلى 60ألف دولار،مما يجعل حلم امتلاك شقة حلماً مؤجلاً تتحكم فيه الزيادة اللامبررة في العقار في الجزائر، ويقول الخبراء إن الأسر المتوسطة الدخل عليها ادخار كل دخلها في حالة ما كان الزوجان عاملان لمدة تسعة أعوام ليتمكنا من شراء بيت، وجاء في نشرة لمجموعة أوكسفورد بيزنيس "يبدو أن أزمة الإسكان ستلاحق البلاد لسنوات، من المحتمل أن تتسع الفجوة بين العرض والطلب كثيراً".
ويرجع المحللون مشكلة الإسكان لسيطرة الحكومة على الأراضي والإسكان والتي ترجع لسياسات اقتصادية مركزية على غرار النظام السوفييتي والتي بدأ تطبيقها عقب الاستقلال عن فرنسا في عام 1962م، وفي عام 2005م ذكرت دراسة للبنك الدولي أن القطاع العام لا يستغل الأراضي التي يمتلكها بفعالية وحث الجزائر والدول الأخرى في شمال إفريقيا على تخفيف اللوائح الصارمة لإدارة الأراضي وتقليص ملكية الدولة لها، ويقول مسؤولون حكوميون إن الجزائر ينقصها 1.5مليون وحدة سكنية إذ يتم بناء 130ألف وحدة سنوياً بينما تتكون 500ألف أسرة جديدة سنوياً. وتحاول الجزائر تشجيع نمو قطاع الرهن العقاري الناشئ، ولكن البيروقراطية وسلبيات سوق التأجير والمزايا الممنوحة لأجهزة عامة للتمويل وتنمية الأراضي ما زالت تبعد القطاع الخاص. ويعتبر جميل بيسا الرئيس التنفيذي للبنك المسؤول عن تمويل بناء المساكن أن البنك لديه سبعة مليارات دولار ولكنه يفتقر لإمكانات محلية لتلبية الطلب المتزايد على المساكن، وأضاف أنه ليس هناك بديل للتعامل مع الشركات الدولية لحل أزمة الإسكان، ميبناً أن الطلب كبير ومتوسط عمر السكان يشير إلى وجود عدد كبير من الشبان وكلها عوامل جيدة لاجتذاب شركات أجنبية.
والحل لهذه الأزمة كما يراه الخبير الاقتصادي حفيظ صاولي "هو فتح السوق بالكامل أمام المنافسة مما يؤدي لانتظامه تدريجياً، ربما ترتفع الأسعار في البداية ولكن أثق بأنها ستنخفض على المدى المتوسط".
وتقول الأستاذة فائزة قمراوي طاهري محامية معتمدة لدى المجلس القضائي إن أكبر نسبة للطلاق في الجزائر سببها الرئيس هو أزمة الإسكان واستحالة التفاهم بين الأطراف عائلة الزوج والزوجة القادمة من أسرة أخرى خاصة إذا كانت هذه الزوجة الشابة متعلمة ومتطلعة ولها رغبة في العيش الكريم والعصري، فإن هذه الأفكار تصطدم بعائلة الزوج التقليدية التي لا تتقبل تطلعات الزوجة الجديدة في وسط العائلة، ومن خلال استحالة التعايش بين الزوجة القادمة من عائلة مختلفة فإن العلاقة مآلها الفشل وبالتالي الطلاق.
وهناك أيضاً عوامل طبيعية صعدت من أزمة السكن في الجزائر وهي أن الجزائر واقعة على حزام زلزالي وتتعرض للزلازل من حين للآخر يوقع كل المنشآت القاعدية، وبالتالي ترتفع أسعار الإيجار والشراء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.