يرتكز برنامج المناصحة وتنطلق فلسفته من أن الوطن أولى بأبنائه، ولذا كانت وزارة الداخلية السعودية استثناءً في التعامل الإنساني مع الفئة الضالة، واحتواء المتطرفين، والمتورطين في أشهر عملية غسيل أدمغة، تلك التي دفعت بهم ليصبحوا أدوات مشحونة بالعنف لزعزعة أمن وتخريب وطن، ومن أجل أن يتم احتواء كل رؤوس التنظيم وفروعه - محلياً - احتواءً كاملاً وتغلق عليهم المنافذ، فإن الملاحقة طالت وستطال من يعاكس جهود المكافحة ويقف دون طريقها. أحمل خوفاً على أرضي، يتبدد حين أعرف أننا بتنا المثال والأنموذج في مكافحة الإرهاب وقص أجنحة تنظيم «فوضى القاعدة»، وكنت أضع يدي على قلبي مع ابتداء فكرة وبرنامج المناصحة، إنما أخذتني الفلسفة الرائدة والرحيمة للبرنامج، لأن أمتلئ بإيجابية أن يكون التفاؤل سيد الموقف، ومن ثم توسم الخير لكونه ملمحاً فطرياً سعودياً، وكنت أيضاً أرى أن الجزاء من جنس العمل، لأن من ذهب لمستنقع الغدر والوحشية والتخطيط العفن مجرم خالص، يمكنك أن تجد لديه أي شيء إلا الوفاء بكلمة أو احترام موقف، وقد يكون الدور في ذلك لتشبعي التام بمقولة «أن من غدر بك مرة فالذنب ذنبه، لكن من غدر بك مرتين فالذنب ذنبك». «المناصحة» هي الطريق لمستوى فكري آمن، ومستقبل لا تطعنه يد غادرة، هي الأسلوب الأمثل في تعليم كيف يقابل وطن إساءة «ابنه» بإحسان لافت؟ وكيف ينسى الجراح الكبيرة، على رغم الحكاية الرديئة وأنها تبدأ بِضَالٍ كبير يستدرج ضالاً متوسطاًَ مضطرباً ويضمان شاباً ناشئاً يتطلع للحياة فيعلمانه ويقنعانه بخبث أن أقصر طريق لتحقيق الأحلام الدخول في محرقة مغلقة! حين يعود 80 في المئة من المشتغلين بأعمال إرهابية عن المضي في الطريق، وحين يتراجعون عن ممارسة ألعاب وأفكار الفئة الضالة، فذلك مؤشر على أن العمل كان شاقاً فضلاً عن أن الفكرة صحيحة وسليمة، وأن إعادة التأهيل وبرمجة العقول والقلوب من جديد حققت نسبة نجاح تثبتها أرقام المتراجعين والنادمين. لكن في المقابل أتت النسبة المتبقية 20 في المئة لتؤكد أن عشاق السوابق ينامون معنا، وتنمو معهم بذور صغيرة للخوف والقلق، عودة هؤلاء ومنهم صنّاع العار في حادثة «شرورة»، تشرح ربما أن البرنامج لم يتمكن من الوصول لعقولهم لأسباب مجهولة، وهي الفاصلة القاطعة في الحلقة التي يجب إغلاقها دوماً، أعلم أن التحديات مستمرة والمجهودات متواصلة والنتائج في علم الغيب، لكن لنأخذ نسب المرتدين والعائدين، بحسبة رياضية بسيطة، فلو كان لدينا 1000 ملتحق ببرنامج المناصحة وأنشطته لعاد ما يقارب من ال 200 للحكاية القديمة وتنكيس الرؤوس والتستر بالعباءات، ومن واقعية التعاطي مع الأشياء أن النسب مرشحة للصعود والهبوط في أي لحظة، شريطة ألا نقع تحت تأثير نسبة الإنجاز واعتبرنا نسبة رسوب خريجي «المدرسة» أمراً عادياً، هناك - بالتأكيد - من لم يتمكن بعد تخرجه في مدرسة المناصحة من الاندماج مع المجتمع ومواجهة تحدياته الفكرية والاجتماعية، وظل يراوح بينهما متشنجاً نادماً بائساً يائساً، فكان خط الرجوع - بمجريات حياته - أسهل من خط المضي للأمام من دون أي التفاتة للوراء، ومن هنا عاد ضال وزادت نسبة. لا أطالب بحلق الرؤوس، لأن التجارب الماضية علمت جهازنا الأمني دروساً ثمينة، لكني أجد في الراسبين الجدد في الاستفادة من إعادة التأهيل، وآخرهم «ال 10 العائدين لحظيرة التنظيم»، فرصة ثمينة لجلب الأسباب الجديدة، أو المتجددة للغواية والإغواء، وفيها كذلك إشارة صريحة في أن مجتمعنا لا يزال يحفل برؤوس مستترة من الجبناء، وهواة التأثير الفكري، والخونة المأجورين، وهذا ما يستلزم قطعاً تغيير أجندة «المناصحة» وتطوير الإمكانات الفردية والتقنية بما يتلاءم مع الحاضر، وبما يتقاطع مع حراك محلي، لنا منه الظاهر، لكن الباطن محط ترقب وتوقع. [email protected] @alialqassmi