لم تستمر فرحة فوز الرئيس الأميركي الديموقراطي باراك اوباما بولاية ثانية لمدة 4 سنوات، طويلاً في مقر حملته في شيكاغو، إذ عاد سريعاً الى البيت الابيض ليل اول من امس، وباشر مهمة انهاء الانقسام الحزبي في الكونغرس الذي يعطل قسماً من عمله الذي يهدف بالدرجة الأولى الى تجنب ازمة مالية تلوح في الافق. وقبل مغادرته شيكاغو، اتصل اوباما هاتفياً بقادة في الكونغرس، مؤكداً لهم اولويته في محاولة انهاء مأزق دورة الكونغرس التي تسبق حفلة تنصيبه في 21 كانون الثاني (يناير) المقبل. وتحدث مع رئيس مجلس النواب الجمهوري جون باينر، وزعيم الاقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل ومشرعين ديموقراطيين كبار. وقال مسؤول في البيت الابيض ان «الرئيس كرر التزامه ايجاد حلول للانقسام الحزبي، تمهيداً لخفض العجز بطريقة متوازنة، والضرائب على عائلات الطبقة الوسطى واصحاب الشركات الصغيرة، وخلق وظائف». واضاف المسؤول ان اوباما يرى ان منح الأميركيين اياه ولاية ثانية يوجه رسالة الى واشنطن بضرورة وضع الحزبين خلافاتهما جانباً، والتركيز على الاقتصاد، علماً ان الجمهوريين يرفضون رفع الضرائب لزيادة العائدات، ويصرون على اغلاق الثغرات عبر خفض الانفاق على البرامج الاجتماعية التي يؤيدها الديموقراطيون. ورفض باينر التوصل الى اتفاق مع الديموقراطيين قبل الاول من كانون الثاني (يناير)، موعد بدء العمل في حزمة الاجراءات الالزامية التي اقرت في آب (اغسطس) 2011، وتتضمن تخفيضات تقشفية للنفقات العامة وزيادات ضريبية ستمتص نحو 600 بليون دولار من الاقتصاد العام ما سيعيده الى حال الانكماش مع ارقام بطالة عالية جداً. وعكست الاجراءات الالزامية اتفاق الطرفين على الحاجة الى برنامج يخفض العجز في الموازنة على المدى البعيد، والذي وصل الى ترليون دولار سنوياً في السنوات الأربع الأخيرة، ورفع الدين الأميركي الى اكثر من 16 ترليون دولار، أي الحجم الكلي للاقتصاد. وعرض باينر اجراءً قصير الأمد تتبعه محادثات تجري العام المقبل حول اصلاحات اساسية لقوانين الضرائب والضمان الاجتماعي وبرامج الصحة والتقاعد الحكومي، مشدداً على رفض طلب اوباما زيادة الضرائب على الاغنياء. وقال باينر «سيدي الرئيس، ما تستطيع عمله الغالبية الجمهورية في مجلس النواب هو تجنب الهاوية المالية بطريقة تمهد لحلول اكبر تطبق في 2013 تنهي المشكلة». وشكل ذلك مناورة اولى في معركة حزبية صعبة حول الضرائب والنفقات، علماً ان الاسواق المالية الأميركية تراجعت بنسبة 2،4 في المئة امام احتمال فشل الحزبين في التوصل الى تسوية. ويرى الاتحاد الوطني للمصنعين انه اذا بلغ الاقتصاد الهاوية «سيحتاج النشاط الاقتصادي ومستويات التوظيف الى معظم السنوات العشر المقبلة للانتعاش من الصدمة المالية». احصاءات التصويت وعلى متن الطائرة الرئاسية، تحدث مسؤول في الحملة الانتخابية رافق اوباما عن مفاجأة اعلان شبكات التلفزيون الأميركية نتيجة الانتخابات، بعد حسمه الولايات المتأرجحة لمصلحته. واظهرت دراسة اجراها معهد «بيو» مساهمة الاقليات خصوصاً الى جانب الشباب والنساء، في اعادة انتخاب اوباما، في حين كان العدد الاكبر من ناخبي الجمهوري ميت رومني من البيض غير المتحدرين من اصول اميركية لاتينية. وحصل اوباما على 80 في المئة من اصوات غير البيض الذين مثلوا 28 في المئة من اجمالي الناخبين. وصوت 93 في المئة من السود لمصلحة اوباما، ومعهم 71 في المئة من المتحدرين من اصول اميركية لاتينية و55 في المئة من النساء و60 في المئة من فئة 18-29 سنة، و52 في المئة من فئة 30-44 سنة. في المقابل، صوت 52 في المئة من الرجال لمصلحة الجمهوري ميت رومني، ومعهم 59 في المئة من البيض و51 في المئة من ناخبي فئة 45-64 سنة و56 في المئة من فئة 65 سنة وما فوق. وحصل رومني على 89 في المئة من اصوات البيض غير المتحدرين من اصول اميركية لاتينية، علماً ان الأميركيين من اصول اميركية لاتينية البالغ عددهم 50 مليوناً، يمثلون نسبة 10 في المئة من سكان الولاياتالمتحدة، ما يجعلهم الاقلية الأولى في البلاد. الى ذلك، صوّت 54 في المئة من سكان بورتوريكو على ان تصبح جزيرتهم التي منحت عام 1952 وضع دولة حرة شريكة للولايات المتحدة، الولاية الاميركية ال 51، ما شكل رداً غير مسبوق على سؤال طرح عليهم ثلاث مرات منذ 1967. ونتيجة هذا الاستفتاء غير ملزمة، إذ ينص الدستور الأميركي على ان ضم بورتوريكو يتطلب تصويت الكونغرس. زيارة لميانمار واعلن مصدر حكومي في ميانمار ان اوباما يعتزم زيارة البلاد في 19 الشهر الجاري، ولقاء الرئيس ثين سين والمعارضة الحائزة جائزة نوبل للسلام اونغ سان سوتشي. وستشكل الزيارة أقوى إقرار من المجتمع الدولي بتحول ميانمار في الحكم المدني، بعد نصف قرن من الحكم العسكري. وعلقت الولاياتالمتحدة العقوبات على ميانمار هذه السنة، تقديراً للتغييرات السياسية والاقتصادية الجارية، وتدرس شركات أميركية بدء أعمال في هذا البلاد للإقادة من موارده وعمالته الرخيصة. ويحضر اوباما خلال زيارته منطقة جنوب شرقي آسيا اجتماعات قمة رابطة دول المنطقة في كمبوديا المقررة بين 15 و20 الجاري. كما قد يزور تايلاند. ايرانوافغانستان وبعدما تلقت ايران الخاضعة لعقوبات غربية منذ سنتين، بحذر اعادة انتخاب اوباما رئيساً للولايات المتحدة، لكن من دون ان تستبعد استئناف اتصالات مباشرة مع واشنطن لحل ازمة ملفها النووي المثير للجدل، وصف رئيسها محمود احمدي نجاد، خلال منتدى حول الديموقراطية في اندونيسيا، الانتخابات الاميركية بأنها «ساحة معركة للرأسماليين»، وانتقد الديموقراطية الغربية التي «تضحي بالعدالة والحرية والكرامة البشرية في سبيل انانية اقلية نافذة». ولفت قول صادق لاريجاني، رئيس السلطة القضائية الايرانية المقرب من المرشد علي خامنئي إن «اوباما وصل الى السلطة قبل اربع سنوات بشعار التغيير واعلن انه يمد اليد الى ايران، لكنه فرض اشد العقوبات علينا». ولا يستبعد محللون تنفيذ اوباما مبادرة ديبلوماسية جديدة تجاه ايران، قبل عقد جولة جديدة من المحادثات النووية في نهاية السنة الحالية او مطلع 2013، مع امكان عقد اجتماع ثنائي اميركي - ايراني. وأمس، دعا الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز روسياوالولاياتالمتحدة إلى توحيد جهودهما لمعالجة ازمة الملف النووي الإيراني. وقال على هامش افتتاح المتحف اليهودي في موسكو، إن «روسيا معنية ايضاً بالحيلولة دون حصول ايران على سلاح نووي، مشدداً على ان لعبها سابقاً دوراً رئيساً في إنقاذ العالم. وفي افغانستان، اوصى زعيم المعارضة أحمد ضياء مسعود اوباما «بتطهير السياسة الأفغانية قبل الانتخابات المقبلة في هذا البلد أو المجازفة بنشوب حرب أهلية»، بعد انسحاب القوات القتالية للحلف الأطلسي بحلول نهاية 2014. وقال مسعود إن «انتخابات يشوبها التزوير قد تصبح نقطة اللاعودة في بلد يتنامى فيه الاحباط، بسبب الفساد وسوء الحكم والبنية التحتية المتهالكة والبطالة المرتفعة». وفي باكستان، ابدى المواطن محمد رحمن خان الذي فرّ بعد من منزله في اقليمجنوب وزيرستان الجنوبية، بعد مقتل والده وثلاثة من أشقائه وابن أخيه في غارة شنتها طائرة أميركية بلا طيار بعد شهر من تولي أوباما منصبه مطلع عام 2009، خيبته من إعادة انتخاب الرئيس الديموقراطي، وقال: «إنه الشخص نفسه الذي هاجم منزلي، لذا زاد الضغط على رأسي منذ امس، بعدما تذكرت كل الألم مجدداً».