في قرية المهدج شمال شرق محافظة أبي عريش، أسرة أنهكتها عوامل التعرية من الهواء الشديد والغبار والأمطار، وأخذ منهم العوز الشيء الكثير، لا مسكن لهم سوى بعض الأخشاب المستهلكة، احتموا من حرارة الشمس بسقف من قماش، في حين عاشوا الظلام بتفاصيله في ظل قربهم من أشجار وأحجار تعيش فيها العقارب والثعابين، ولا تخلو ليلة من مشاهدتهم لتلك الزواحف التي تعودوا عليها، لعدم وجود سور يحميهم منها ومن الحيوانات الضالة. في زاوية الكوخ الخشبي مسن ثمانيني يجلس على كرسي خاص بالمعوقين حصل عليه من مرمى النفاياتن وقدمه التي بترت جراء عمله في بنشر تابع لبلدية أبي عريش، بحسب قوله، وبجواره ناموسية ممزقة لا تقي أحداً لدغات البعوض. أسرة مكوّنة من رب أسرة وزجته وولدين وثلاث بنات لا يتعدى عمر أكبرهم (13 عاماً) تأقلموا على العيش في أرضهم والبعد عن التمدن، وأجبرتهم ظروفهم المادية الصعبة على الاستسلام والعيش فيه لأكثر من 14 عاماً في ظل عدم حصول الزوج على وظيفة ليبني مسكناً لعائلته أو يشتري مركبة لنقلهم إلى المستشفى وقضاء حاجاتهم من المدينة. ويقول المواطن محمد علي جوين الذي يبلغ من العمر 60 عاماً: «أجبرتني ظروفي في الزمن الماضي على عدم إكمال دراستي، ما فوت علي فرصة الحصول على الوظيفة، واسهم في ذلك أن قرية المهدج تقع في مكان معزول عن المحافظة والطرقات العامة». ويضيف: «حاولت أن أبني بيتاً يؤويني وزوجتي وأطفالي ووالد زوجتي المعوق، إلا أنني لم أستطع تأمين قيمة البناء، خصوصاً أن ما يصلنا من دخل لا يكاد يفي بمتطلباتنا الأساسية»، موضحاً: «ليس لي دخل سوى الضمان الاجتماعي، إذ يصرف لي مبلغ 1400 ريال فقط». ويكشف جوين أنه تقدم إلى بلدية أبي عريش لطلب منحة أرض، «إلا أنني لم أحصل على المنحة حتى الآن، وها نحن نسكن في هذه الأرض منذ وقت طويل، وكم أتمنى أن أجد ولو قيمة سور يحمي أطفالي وزوجتي»، مبيناً: «نعيش حياة بدائية فليس لدينا مطبخ أو دورة مياه، إذ نعتمد على التنور، بينما نقضي حاجاتنا – أكرمكم الله - بين الأشجار». ويتابع: «نعيش في ظلام دامس، حتى ساعدنا أحد الجيران، وأوصل إلى منزلنا لمبة صغيرة». يحاول محمد إخفاء دموعه، ولكنها تغلبه، ويستطرد: «كلما نظرت في عيون أطفالي، أشفق عليهم كثيراً، وأتحسر على أنني لا أستطيع أن أحميهم حتى من البعوض، فأظل جاهداً أن أغطيهم عندما ينامون في العراء على أسرة مكسرة ببعض الناموسيات الممزقة، إلا أنهم لا يهنأون بنومهم من لدغاته»، مضيفاً: «يتكرر الأمر عندما تهطل علينا الأمطار، فندخل جميعنا تحت سقف من القماش في الكوخ لنحتمي من المطر، إلا أن رياح الأمطار تأتي من فتحات الكوخ الجانبية». ويناشد محمد جوين أصحاب القلوب الرحيمة الوقوف إلى جانبه وبناء مسكن بسيط وسور يستره وأسرته، كما ينتظر من الجهات الحكومية تيسير معاملاته، وإيصال التيار الكهربائي إلى المكان الذي يعيشون فيه.