لا يشاهد الجمهور الفرنسي، عادة، الأعمال المسرحية الاستعراضية المبنية على حبكة فكاهية تتخللها أغنيات وفقرات راقصة. فاللون الاستعراضي في بلاد موليير له قواعده وأصوله، وغالباً ما يكون مضمونه مصمماً بهدف إبراز حكاية عاطفية في جو مرح يسمح بتسليط الضوء على جمال الألحان... حتى يتسنى بيع أسطوانات العرض عقب انتهائه مباشرة في بهو المسرح. وهذا ما يسمى الأوبريت. إلى ذلك، تشهد مسارح باريس في أحيان كثيرة أعمالاً استعراضية أميركية، مثل «صوت الموسيقى» (ذي ساوند أوف ميوزيك) أو «سيدتي الجميلة» (ماي فير ليدي) أو «حكاية الحي الغربي» (ويست سايد ستوري)، فيتقبّلها الجمهور الفرنسي بصدر رحب وباللغة الإنكليزية بلا أدنى صعوبة. وتأتي مسرحية «البدين والبقرة والعصفور» الفرنسية (تأليف بيار غيلوا وإخراج الممثل السينمائي الفكاهي الفرنسي برنار مينيز) مخالفة تماماً لكل ما سبق ذكره، لكونها لا تنتمي إلى لون الأوبريت من جهة ولا هي أميركية مترجمة من جهة أخرى، بل هي كوميديا ساخرة غنائية راقصة تنتقد عيوب المجتمع، بكل تفاصيلها، من الألف إلى الياء. المسرحية، إذاً، ليست مرحة وفكاهية في ما تسرده، ولا تنتهي بطريقة عاطفية مسيلة لدموع المتفرج حينما يطلب العاشق الولهان يد حبيبته رسمياً وتوافق هي، رامية نفسها بين أحضانه. فالقسوة هنا سائدة في كل المواقف، وهي التي تفتتح العرض وتنهيه بعد ساعة ونصف ساعة من الحوار والاستعراض الجنوني. لكن المتفرج يضحك بلا انقطاع، على رغم أن كل ما يقال ويردد على نغمات ألحان صاخبة لا يرحم الحضور... ويشعره بأنه المرمى الأول المقصود بكل كلمة يتفوه بها أفراد الفرقة. المقصود من اسم العرض (البدين والبقرة والعصفور) هو الرضيع وأمه وعصفور موجود في قفص طوال مدة العرض، علماً أن دور الرضيع يؤديه ممثل، وكذلك دور الأم وسائر شخصيات المسرحية التي لا تضم سوى الرجال على طريقة مسرح «نو» الياباني المبني على أداء فرقة رجالية خالصة كل شخصيات المسرحية من دون أي وجود لممثلة. وكانت المسرحية قدمت خلال الشتاء الماضي على خشبة مسرح «رون بوان» الوطني لمدة قصيرة جداً، قبل أن ينتقل إلى خشبة مسرح «كوميديا» الخاص، والذي أعلن أخيراً بيع كامل مقاعده (994) لكل العروض... حتى آخر عرض للمسرحية في 10 كانون الثاني (يناير) المقبل.