كانت نشأة الفنان عزت العلايلي، في حي باب الشعرية الشعبي المجاور لحي الجمالية بأجوائه الدينية والتاريخية، وهو الحي نفسه الذي خلّده نجيب محفوظ في أعماله. شارك العلايلي في بطولة أكثر من 70 فيلماً وجسد شخصيات متنوعة منذ تخرجه 1960 في معهد الفنون المسرحية، فقد شارك في «بين القصرين» لحسن الإمام، و «قنديل أم هاشم» لكمال عطية، و «السيد البلطي» لتوفيق صالح، و «زائر الفجر» لممدوح شكري، إضافة الى «السقا مات» لصلاح أبو سيف، و «أهل القمة» لعلي بدرخان وغيرهما. وقف العلايلي على خشبة المسرح القومي بطلاً لمسرحيات عدة كان آخرها «أهلاً يا بكوات» بصحبة النجم حسين فهمي، وهي المسرحية التي أعيد عرضها في أكثر من موسم مسرحي، كما اضطلع ببطولة عدد من المسلسلات من أهمها مسلسل عن الرائد الصحافي الثائر عبدالله النديم. مدرسة يوسف شاهين يعتز العلايلي بتجربته مع شاهين الذي أسند له أدواراً رئيسة في أهم أفلامه مثل «الناس والنيل» و «الاختيار» و «إسكندرية ليه» إضافة الى فيلم «الأرض» الذي يعد واحداً من أهم أفلام شاهين ومن أهم الأفلام المصرية. يؤكد العلايلي أن شاهين كان صاحب أسلوب فني خاص وكان صاحب مدرسة أضفت توهجاً على كل من عمل معه من كبار الممثلين أمثال محمود المليجي ومحمود حميدة ونور الشريف وهدى سلطان ومحسنة توفيق وهو «أتاح الفرصة للمخرجين الشبان فأصبحوا من كبار السينمائيين أمثال يسري نصر الله ورضوان الكاشف وداود عبدالسيد وعلي بدرخان وأخيراً خالد يوسف. كما أنه يعد مكتشفاً للكثير من الوجوه الجديدة، على قمتهم الفنان العالمي عمر الشريف الذي ظهر للمرة الأولى على الشاشة أمام السيدة فاتن حمامة في «صراع في الوادي»، ذلك إضافة إلى قائمة طويلة، منها محسن محيي الدين وماجدة الرومي وهشام سليم وعلي الشريف وهاني سلامة وأحمد يحيى وغيرهم. يجسد العلايلي في تحفة شاهين «الأرض» شخصية عبدالهادي، الفلاح البسيط الذي يعد الطين جزءاً من نفسه يفديه بدمائه. يتسم عبدالهادي بالشهامة ومواصفات الزعامة وهو على رغم أنه أمِّي، مثل كل الفلاحين، لا يرضي بالظلم ويقود المقاومة ويطلق مقولته بأنه سيسترد حقه بذراعه، وهي المقولة ذاتها التي أطلقها عبدالناصر تحديداً في ما يخص الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ونصّها أن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة. حين يستأثر «البيه» ساكن السراي بماء الري، يقود عبدالهادي الفلاحين لكسر الجسور لتتدفق المياه في مشهد بديع وتروي الأرض العطشى. ويقود عبدالهادي تمرداً آخر ضد قرار «البيه» اختراق أرض الفلاحين ليشق طريقاً يصل السراي بالطريق العمومي. فيتم القبض على عبدالهادي مع المشاركين في الحركة من الفلاحين. قدم العلايلي شخصية عبدالهادي بتفهم وصدق وتلقائية لمشاعر الحب والرضا والمشاركة... إلى الغضب والتمرد يتضمن الفيلم مشهداً من أقوى المشاهد وأكثرها تعبيراً عن التضامن بين الفلاحين حين تقع جاموسة في بئر الساقية فتستغيث صاحبتها بالجيران ليتعاون عبدالهادي مع دياب (علي الشريف) بكل عزمهما لرفع الجاموسة ثم الإسراع بذبحها قبل أن تنفق، وتوزيع لحمها على الأهالي حتى يشارك أهل القرية في تعويض الفلاحة عن جاموستها. وفي مشهد آخر يستنهض عبدالهادي أهل القرية للإسراع بجمع القطن من غيط أبو سويلم. أهم مئة فيلم في الدراسة التي نشرتها مكتبة الاسكندرية - 2008 عن «أهم مئة فيلم في السينما المصرية»، يسجل الفنان عزت العلايلي كمشارك في بطولة سبعة أفلام هي: «قنديل أم هاشم» و «زائر الفجر» و «على من نطلق الرصاص» و «السقا مات» و «الطوق والإسورة»، ذلك إضافة الى تحفتي شاهين «إسكندرية ليه» و «الأرض». وفي حديث لشاهين عن مشروعه السينمائي، يقول: «كنت مهووساً بعبدالناصر ومشروعه ولكن بعد الهزيمة سألت نفسي: لماذا؟ وأجبت عن السؤال في أربعة أفلام كان أولها «الأرض» ثم «الاختيار» و «العصفور» ثم «عودة الإبن الضال». تمسك الفلاح بالأرض وقدرته على المقاومة طرح الأمل في الزعامة الشعبية (عبدالهادي وأبو سويلم) حيث يقول أبو سويلم للأهالي «لازم نفوق لازم نصحى». يؤكد شاهين في «الأرض» أن الهزيمة لم تكن هزيمة شعب وإنما هزيمة فكر استأثر بالسلطة. الفيلم فياض بالمشاعر... مشاعر الحب والرضا والمقاومة والثورة وهو أكثر أفلام شاهين صفاء ووضوحاً، إذ يلقي نظرة حب على الأرض ويحمل نبض الحياة في القرية ويرد الاعتبار الى الفلاحين وهو في الوقت ذاته يشبع احتياج الشعب الى بطولة جماعية. الاختيار في فيلم «الاختيار» عن قصة لنجيب محفوظ يضع شاهين الفنان عزت العلايلي أمام تحد كبير حين يوكل اليه بشخصيتين لتوأم متماثلين في الشكل لكنهما متباينان في التركيبة النفسية، ما ينعكس على هيئة كل منهما وحركاته وتعبيراته. محمود بحار منطلق يعشق الحرية والحياة، بينما توأمه سيد مؤلف مرموق ومرشح لمنصب دولي ومتزوج من سيدة راقية (سعاد حسني)... لقد توافرت له كل عناصر السعادة، إلا أنه لا يرضى عن حياته ويضيق بالقيود المفروضة عليه ويصبو إلى نموذج الحياة التي يحياها محمود. في فيلم «الاختيار» نمّى وعي شاهين السياسي ذلك الوعي الذي بزغ فجره، في فيلم «الأرض» نهج شاهين نهج التحليل النفسي وتخلى عن البناء الدرامي التقليدي. في «الاختيار» ناقش شاهين قضية الحرية والاختيار وازدواجية المثقف والفجوة القيمية بين ما يؤمن به وبين التقاليد المفروضة عليه. لقد نقل شاهين الصراع الداخلي للإنسان بين الرغبات والقوانين المفروضة إلى صراع خارجي بين التوأم حيث تتحول الغيرة والحقد عند سيد إلى طاقة مدمرة لتوأمه الذي يعيش كما يهوى لا كما يجب. ومن أبدع المشاهد التي عبرت عن رهافة المشاعر لدى محمود المتصالح مع نفسه حين تأثر بدموع طفل كان قد انطلق بالونه بعيداً، فأطلق هو الآخر بالونه... وهكذا فعلت صديقته حتى تمتلئ السماء بالبالونات لتعود البسمة الى الطفل الباكي. وفي المشهد الختامي يجسد العلايلي حال الجنون التي يعايشها بكل إيمانه قبل أن يدفعوا به إلى عربة المستشفى. فاز الفيلم يومها بالدب الفضي وجائزة لجنة التحكيم في مهرجان برلين 79. شخصيات وتكريمات لقد جسد العلايلي الكثير من الشخصيات المتنوعة. في «الناس والنيل» قدم شخصية الروائي الذي وصل الى أسوان ليطلع على التجربة الإنسانية وراء معجزة بناء السد العالي فيندس بين العمال كعامل مثلهم ويشاركهم معيشتهم. وفي «السيد البلطي» يقدم كادراً عمالياً ورائداً نقابياً يجمع الصيادين على موقف واحد ضد الشركة المستغلة. وفي «السقا مات» يجسد حال الرضا ويبعد شخصية السقا الكادح، ومن المضحك المبكي أن يميل إلى تحسين أحواله فيعمل تشريفاتياً في الجنازات ولكن رهافته لا تحتمل احتراف الأحزان. ويعود اليه المخرج الكبير صلاح أبو سيف في فيلم «المواطن مصري» ليبدع دور الفلاح الأجير الذليل أمام سطوه العمدة (عمر الشريف)، ما يتجلى في مشهد النهاية حين ينكر أبوّته لابنه الشهيد خشية بطش العمدة. وفي «إسكندرية ليه» - الجزء الأول من ثلاثية السيرة الذاتية لشاهين، يجسد العلايلي دوراً مختلفاً في شخصية مرسي بلطجي الكباريهات إبان الحرب العالمية حيث يكلفه أحد المرفهين من أبناء العائلات أن يختطف له جندياً من الحلفاء ليتفاخر به أمام أقرانه مدعياً دوراً وطنياً زائفاً. يصدق على العلايلي أنه فنان العرب كما اكتسب عمر الشريف لقب «العالمي» حيث إن العلايلي من أكثر الفنانين مشاركة في بطولة أفلام من إنتاج البلاد العربية، إذ اضطلع ببطولة الفيلم اللبناني «ذئاب لا تأكل اللحم» وكذلك بدور المحامي الناصري في فيلم «بيروت يا بيروت» لمارون بغدادي، كما اضطلع ببطولة الفيلم السوري «عملية فدائية» وأيضاً المغربي «سأكتب اسمك على الرمال»، إضافة الى الفيلم العراقي «القادسية» وغيرها. حصل العلايلي على الكثير من الجوائز وكُرّم في أكثر من مهرجان وهذه الأيام يكرمه مهرجان خريبكة السينمائي في المغرب حيث دُعي لإلقاء محاضرة عن تجربته مع المخرج الكبير يوسف شاهين لمناسبة مرور عام على رحيل صاحب «الأرض» و«الاختيار».