يعتقد معظم الباحثين أن الديناصور ومجموعة من النباتات وكثيراً من الكائنات البحرية، اندثرت نتيجة اصطدام كوني ضخم وقع قبل 65.5 مليون عام. وأخيراً، ظهرت براهين في قاع البحر قبالة سواحل القطب الجنوبي تشير إلى حدوث انقراض كبير في تلك القارة المتجمدة، قبل زمن جيولوجي من الاصطدام الكوني المفترض. ويُلقى اللوم في هذا الانقراض على ثوران بركان «ديكان» العملاق في الهند، في زمن سبق انقراض الديناصور. وشكّل تحديد السبب الذي أدى إلى إبادة الديناصور و65 في المئة من الكائنات الأخرى التي اختفت معه، تحدّياً علمياً استمر لفترة طويلة. وبالتدريج، ظهر شبه اتفاق علمي على الربط بين انقراض الديناصور وكائنات أخرى من جهة، وحدوث اصطدام بين الأرض ونيزك ضخم من جهة أخرى، خصوصاً بعد ظهور طبقة واضحة من حطام هذا الحدث في غير منطقة من الكرة الأرضية. ابحث عن... البركان الهندي يشير سجل أحافير الرواسب البحرية إلى أن الحيوانات والنباتات المجهرية اختفت في اللحظة الجيولوجية ذاتها التي حدث فيها الاصطدام الكوني، ما ولّد الفكرة القائلة إن الاصطدام تسبب بانقراض حيوي واسع. ومع توسّع العلماء في تقصّي هذا الحدث، تزايدت المعلومات في سجل الأحافير المتّصلة بالديناصورات والثدييات التي تعيش على اليابسة. وعلى رغم أن هذا السجّل لم يخلُ من بعض نقاط الضعف، إلا أن معظم الباحثين ما زالوا يعتبرون الموضوع شبه مثبت، ولا يعترضه شك معقول. في المقابل، ظلّت مسألة الثوران البركاني الضخم في الهند الذي ظهرت دلائل تشير أيضاً إلى حدوثه في زمن غير بعيد من وقت الاصطدام الكوني، عالقةً. وشكلت تدفقات ضخمة من البركان منحوتة طبيعية تُعرَف باسم «مصطبات ديكان»، وهي كومة حمم بضخامة مصطبات سيبيريا التي تشكلت منذ 252 مليون عام، أو تلك التدفقات الانصهارية التي رافقت ظهور المحيط الأطلسي قبل 200 مليون عام. ومن المرجح أن تكون الانبعاثات الخطرة والمؤثرة في المناخ، الناجمة عن ثوران بركان «ديكان» الهندي، أدت مبدئياً إلى انقراض جماعي طاول مجموعة كبيرة من الكائنات الحيّة. ولوقت طويل، بدا أنه من شبه المستحيل تمييز الانقراضات الناتجة من فوران بركان «ديكان»، من تلك الناتجة من الاصطدام. وأخيراً، شكّل العالمان الأميركيان توماس توبين وبيتر ورد، وهما مختصّان في علم الإحاثة (علم تطوّر الكائنات الحيّة) في «جامعة واشنطن» في سياتل، فريقاً لمحاولة التمييز بين الانقراضات الناجمة عن الاصطدام الكوني وتلك التي سبّبها بركان «ديكان» الهندي. وتوجّه هذا الفريق إلى جزيرة «سيمور» التي تقع قبالة قارة القطب المتجمّد الجنوبي. ووفق المنطق الذي يتّبعه علماء الإحاثة، يعتبر الارتفاع في درجة الحرارة الذي ربما رافق انبعاث غازات مسبّبة للاحتباس الحراري من بركان «ديكان»، حدثاً من المستطاع تقصّيه بسهولة، نظراً إلى ضخامة الآثار المترتبة عليه. ووفق المنطق عينه، فمن شأن هذا الاحترار نفسه أن يستبب في تراكم سريع لكميات كبيرة من الرواسب في قاع المحيط الهادئ حينها. جمع الفريق مجموعة ضخمة من الملاحظات العلمية المهمة، لدرجة أنها ساهمت في اتّساع سجلّ الأحافير، مع ملاحظة أنها المرّة الأولى التي تُقارن فيها المعلومات الأحفورية عن أرض جزيرة «سيمور»، مع سجل تراكم الرواسب في قاع المحيط الملاصق لها. انقلاب مغناطيس الأرض نتيجة هذا الجهد، توصل فريق توبين إلى نتائج مهمة نُشِرت في مطلع الخريف الجاري في مجلة «جغرافيا الحفريات، وعلم مناخها وبيئتها». وبيّن الفريق أن فوران بركان «ديكان» تسبب بانقراض كبير، سبق حدوث الاصطدام الكوني المشار إليه آنفاً. وترافق هذا الثوران مع حدوث انقلاب في حقل الأرض المغناطيسي، وهي ظاهرة تحدث تكراراً في أزمنة متباعدة. واعتمد الفريق على رواسب قاع المحيط القريب من جزيرة «سيمور»، ومقارنتها مع سجل بركان «ديكان»، لتحديد اتّجاه الحقل المغناطيسي للأرض وقت حدوث الثوران البركاني الغابر. وأوضح الفريق أن تحديد تركيبة ذرّات الأوكسجين في أحافير الكربونات في جزيرة «سيمور»، أوصل إلى اكتشاف حدوث ارتفاع حاد في حرارة الأرض وغلافها الجوي، بلغ سبع درجات مئوية! وعلى ضوء هذه المعلومات، أعاد الفريق تحليل سجل أحافير جزيرة «سيمور»، فتوصّل إلى أن ثوران «ديكان» أدى أيضاً إلى انقراض مفاجئ لقرابة 40 في المئة من أنواع المحار والحلزون التي تعيش في القيعان المائية القريبة من هذه الجزيرة، على رغم تأخّرها بعض الشيء عن زمن انقراض الديناصور. وبعد التأمّل في تلك الحوادث، توصل فريق توبين ورد إلى قصة مختلفة عن انقراض الديناصور. وبالنسبة إلى هذا الفريق، حدثت سلسلة متواصلة من حالات الثوران الضخم في بركان «ديكان» قبل 200 ألف سنة تقريباً من الاصطدام الكوني. وفي الوقت ذاته، بدأت مياه القاع قبالة سواحل القطب الجنوبي بالاحترار. وبعدها بقرابة 40 ألف سنة تقريباً، أي قبل فترة طويلة من وقوع الاصطدام الكوني المسبّب لانقراض الديناصور، انقرضت أنواع من المحار والحلزون البحرية قبالة سواحل القطب الجنوبي.