لا تمر طالبة أمام عيني أحد عناصر الشرطة أو الجيش القريبين من الجامعات من دون أن تسمع عبارات التحرش اللفظي بها وبزميلاتها ولا تتمكن من الرد عليها. فالتفكير بالرد على رجل أمن وسط الشارع يكاد يكون ضرباً من الجنون لأن إثبات الواقعة يحتاج إلى شهود، والشهود من الزميلات والزملاء غالباً ما يلتزمون الصمت خوفاً من التعرض لانتقام المتحرشين الذين يملكون سلطة تخولهم إطلاق التهم على العباد. قضية تحرش عناصر الشرطة والجيش المنتشرين في نقاط التفتيش ودوريات حماية الجامعات باتت ظاهرة واضحة اليوم تشكو منها الآلاف من الفتيات اللواتي يدرسن في جامعات العاصمة بغداد، واللواتي يتجنبن المرور قرب تلك النقاط أو يحاولن الاستعانة بزملائهن للتخلص من بعض المواقف. رسل سلام تدرس في كلية العلوم بجامعة بغداد تقول: «لا يمر يوم من دون أن أسمع ألفاظ التحرش من قبل دوريات الشرطة المرابطة في المكان». وتضيف: «بعضهم يتقصد أن يرفع صوته بكلمات بذيئة تخدش الحياء، وآخرون يرددون أرقام هواتفهم على مسمع منا على أمل أن تلتقط إحدانا الرقم وتتصل بالشرطي، فجميعهم يطمعون بإقامة علاقات عاطفية مع الطالبات». وتؤكد أنها تستعين هي وزميلاتها ببعض زملائها لتحاشي التحرش من قبل العناصر الأمنية إذ يصحبهن بعض زملائهن إلى خارج الحرم حتى يتعدين نقاط التفتيش ودوريات الشرطة التي تحيط بالجامعة ثم يعودون مجدداً إلى موقف السيارات أمام الجامعة للعودة إلى منازلهم. وتروي أسيل حامد قصة مؤلمة لإحدى صديقاتها تدرس في كلية اللغات بجامعة بغداد، موضحة إن صديقتها كانت تسكن في شارع فلسطين وتدخل إلى الجامعة من باب كلية الشريعة الإسلامية لكونه الأقرب على مسكنها، وكانت تعاني في كل مرة من إطلاق عناصر الشرطة الذين يقفون عند باب الكلية عبارات بذيئة يعلقون فيها على مظهرها، حتى جاء اليوم الذي ساومها فيه أحد عناصر الشرطة وأعطاها رقم هاتفه وطالبها بالاتصال وحينما رفضت ذلك منعها من الدخول مجدداً بحجة أنها ليست من طالبات كلية الشريعة على رغم أن قوانين الحرم الجامعي تسمح للطالب بالدخول من أي مكان يرغب فيه من مداخل الجامعة بعد إبراز هويته. وتقول أسيل: «منذ تلك الحادثة بات شقيق صديقتها يرافقها حتى باب الجامعة الرئيسي ويعود لاصطحابها بعد انتهاء الدوام في الجامعة». عمر سعيد أحد طلاب الدراسات العليا في كلية الهندسة يقول إن تحرش القوات الأمنية بالطالبات بات أمراً شائعاً «والمشكلة أكبر بكثير مما تظهر عليه». ويقول: «في العام الماضي رافقت إحدى زميلاتي لتجتاز نقطة التفتيش القريبة من الجامعة وحينما مررنا من هناك اعترض طريقنا أحد الجنود وطلب منا إخراج هويتينا الجامعية وحينما قرأ اسمينا سألني بطريقة وقحة إن كانت الفتاة صديقتي فرددت عليه بحزم إنها زميلتي وهي بمثابة أختي وأنني لن أقبل تلميحاته الخبيثة، فما كان منه إلا أن نادى على دورية قريبة واتهمنا بأننا كنا ننظر بعناية إلى المكان ونتفحصه وربما كنا إرهابيين يودان تقديم معلومات عن نقطة التفتيش لتسهيل استهدافها». تصرف الجندي كان صفعة لعمر الذي لم يتوقع أن تسير الأمور بهذا الشكل، لكن القضية انتهت باعتذار عمر مضطراً من الجندي بعد كل ما قاله، وبعدما وجد الضابط الذي حضر متأخراً أن الهويتين كافيتان لإثبات صحة أقوال عمر. ويضيف عمر: «تسعى بعض العناصر الأمنية القريبة من الجامعة إلى إثبات أن الشابين الذين يسيران أمامهما تربطهما علاقة مشبوهة بعدما اكتشفوا أن كثيرات من الفتيات يستعن بزملائهن للتخلص من بعض المواقف مع الشرطة والجيش في الشارع». ويرى أن بعض الجنود والشرطة في نقاط التفتيش القريبة يغارون من علاقات الزمالة التي تربط الطلاب والطالبات في ما بينهم ويريدون إقامة علاقات مع الطالبات بالضغط عليهن. ويزيد: «لا ترضخ كثيرات منهن لتلك الضغوط، بل بتن لا يحترمن رجال الأمن ويعتبرنهم مصدر قلق دائم لهن في الشارع».