عنوان هذا المقال، مثل من الأمثال الشعبية المتداولة في نجد، كثيراً ما أسمعه لدينا في»الزلفي»، وهو مثل شائع وفي معناه «سخرية»، ولعلّ من نافلة القول، التعريف بمفردات عنوان المقال، ف«الجح» ليس في الوسع جهله، فهو فاكهة الصيف كما يقال، نعني به «البطيخ» أو «الحبحب»، أما «القرع» فهو «اليقطين» الوارد في القرآن الكريم بقوله تعالى (وأنبتنا عليه شجرة من يقطين)، «الصافات -146»، أما كلمة «يدربي» فمعناها «يدحرج»، فإذا دحرجت الجح على القرع، اختلط الحابل بالنابل، وقد لا يميز أحدهما عن الآخر، لكونهما كروي الشكل نوعاً ما. ثمة موضوع يزعجني ويقلقني كثيراّ عندما أشاهده وأسمع وأقرأ عنه، يحدث بين إخوان في الدين والعقيدة نشأوا وتربوا على تراب هذه البلاد الغالية، نالوا تعليماّ عاماّ «واحداّ»، اعتمد على منهج الشريعة الذي اتخذته الدولة دستوراً لها منذ قيامها، تعمل به في مناحي الحياة كافة، لا تحيد عنه، هذا الموضوع المزعج، هو ذاك التراشق بين فريقين شكلا نفسيهما بنفسيهما، كان «الهوى» هو المسيطر ورأس الحربة واللاعب الأكبر في هذا الموضوع، فريقان في الساحة يتباريان في اختيار «أصعق» التصنيفات التي يبرأ منها مجتمعنا المسلم، أخذت الأفكار ذات الصبغة الغربية مساحة كبيرة بيننا من خلال اتهام البعض بتقمصها والتحلي بها، بل – وهذه المصيبة - الاعتقاد بها، لا أدري لماذا عندما أتذكر «عنوان هذا المقال» استحضر مباشرة تصرفات هذين الفريقين التي لا تخدم اللحمة الوطنية، وتسهم في تباعد المسافات بين أفراد المجتمع الواحد، السمة البارزة بينهما التصادم والتراشق والاتهام والتأليب، وأعظم من ذا وذاك «التصنيف المقيت». أتساءل متعجباً من أي باب دخلت علينا أفكار الغرب التي يحلو للبعض منا رمي البعض الآخر بها؟! وهو في الحقيقة – من وجهة نظري – براء منها براءة الذئب من دم يوسف، حتى وإن تقمص «البعض» بعض مفاهيم هذه الأفكار، كالحرية مثلاً، التي هي إحدى ركائز الأفكار المؤدلجة، هذه مجرد أفكار وليست معتقدات، البون شاسع بين هذه وتلك. لو نظرنا بعجالة إلى ما يُتهم به البعض، كالقول بأنه علماني أو ليبرالي أو حداثي مثلاً، هذه المسماة بالأفكار الغربية، هي في الحقيقة - وحسبما - درسناها وتعمقنا في دهاليزها إبان مراحلنا الجامعية وفي دراساتنا العليا، هي عند أصحابها ومعتقديها، ليست مجرد أفكار فحسب، بل هي للمعتقدات أقرب، لكن المعجبين بها – كمسميات - غفلوا عن هذا الجانب «الاعتقادي»، وأخذوا الجانب الفكري «النظري» منها وشغفوا به، خصوصاً مبدأ الحرية، ما هيأ الفرصة للفريق الآخر بأن يدخلهم في دائرة «المستغربين الضالين»، نسبة إلى الغرب والضلال، هذا من جهة، ومن جهة أخرى صبّ هؤلاء المتهمون بالانتماء لهذه الأفكار الغربية، جام غضبهم وتهورهم على بعض الدعاة والوعاظ والعامة، الذين يغلب عليهم طابع التشدد وحب الظهور والشطح أيضاً، فوقع المجتمع بين «سندان» هذا و«مطرقة» ذاك من الفريقين، وكلاهما من وجهة نظري على طرفي نقيض، ضلّ كل منهما الطريق، وأصدق وصف أراه مناسباً لطرح الفريقين أن أصف الفريق الأول ب«المتحرر»، والفريق الثاني ب«المتشدد» إذ لا أتصور وجود مواطن سعودي، مهما شطح به الطرح، أن يكون علمانياً أو ليبرالياً أو حداثياً، من حيث المعتقد، ووصف المتشدد للفريق المقابل هو الأقرب. الحقيقة أن الفريقين وجهان «لعملة مزيفة» واحدة، طرحهما لا يخدم المجتمع بخير، بل أحسبه مضيعة للوقت، يقدم خدمات لا يحلم بها العدو المتربص، يصدق عليهما مثل عنوان هذا المقال «الجح... يدربي... القرع»، غير أن الجح والقرع لهما فائدة غذائية للجسم ثابتة، بيد أن شطحات «المتحرر، والمتشدد» ذات خطر ماثل على العقل والأمن. بقي أن ندعو أصحاب هذه التوجهات الشاطحة من الفريقين، إلى أن يتقوا الله في مجتمعهم، وينأوا به عن مواطن الاختلاف والتفرق، ويحلقوا به لبر الآمان الفكري، فكلنا أبناء ملة واحدة، ومساحة الحرية في التعبير مكفولة بضوابطها الشرعية والقانونية... ودمتم بخير. dr-al-jwair@hotmail. com