في السادس من هذا الشهر، سأصوّت بحماسة لمعاودة انتخاب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة. وسأفعل ذلك من دون تردد، على رغم خيبة أملي وأمل كثيرين في مجتمعي إزاء قلة التغيير أو التقدم الذي تم إحرازه خلال السنوات الأربع الماضية حول مسائل نعنى بها إلى حد كبير. كنّا نأمل بإحراز تقدّم حقيقي لجهة التخفيف من معاناة الفلسطينيين في سبيل التوصّل إلى اتفاق سلام مع الإسرائيليين. وعقدنا الأمل على أننا سنشهد تحسناً في مستويات التفاهم بين الأميركيين والعرب، وتمنّينا بأن يوضع حد للتنميط ولأجواء خوف اضطر كثيرون في مجتمعنا إلى تحملها جرّاء التمييز والمضايقات. ولكن، حتى في ظل خيبات الأمل هذه، التي تتسم بالكثير من الواقعية، ما زلت قادراً على الرد إيجاباً، وبثقة تامة، على سؤالين حاسمين: «هل نحن في حال أفضل مما كنا عليه منذ أربع سنوات؟»، و «هل نحن أفضل حالاً مما كنا سنفعل لو تم انتخاب جون ماكين وسارة بالين في العام 2008؟». فلننظر إلى الوراء، إلى حيث كنّا قبل أربع سنوات. آنذاك، كان الاقتصاد في حال يرثى لها، ووقف الملايين في مواجهة عمليات الحيازة على عقاراتهم المرهونة، وخسرت صناديق التقاعد ما بين 20 و30 في المئة من ثروتها، وكانت مستويات البطالة في طريقها لبلوغ ضعف ما كانت عليه، وفي نظر الكثيرين، كان «الحلم الأميركي» قد تحوّل إلى سراب. ولعلّنا حدّدنا سقفاً شديد الارتفاع لآمالنا، عندما صدّقنا أن الرئيس أوباما سيغيّر هذا كلّه ويتخلص من كل الفوضى التي تركها سلفه على صعيد السياسة الخارجية. والواقع أنه في يوم القَسَم الرئاسي من العام 2009، لم يحصل الرئيس الجديد على عصا سحرية، بل على المعول الذي استعمله جورج بوش الابن لإحداث حُفر عميقة في الداخل والخارج. وفي حال لم يكن الحجم الكبير لهذه التحديات الكثيرة كافياً، فقد واجه الرئيس الجديد، ومنذ يومه الأول في الحكم، حزباً جمهورياً مصرّاً على تقويض كل الجهود التي يبذلها. وعلى رغم العراقيل التي فرضها الجمهوريون، كانت الأمور التي تمكّن الرئيس من إنجازها ملحوظة فعلاً، فقد تم تفادي الانهيار الاقتصادي، وأنقذ «التحفيز» الذي تعرّض للكثير من الانتقادات وظائف مئات آلاف المعلمين، وعناصر الشرطة، ورجال الإطفاء، وعمال البناء، كما تم إنقاذ قطاع السيارات الأميركي، ومعه أرزاق ملايين العاملين وعائلاتهم، وشركات صغيرة تخدم المجتمعات، علماً أن سوق الأسهم (ومعه صناديق تقاعد الملايين) تناهز ذروات قياسية. إلى ذلك، تزايدت مشاريع الإسكان الجديدة. ومع أن أرقام التوظيف ليست عند المستويات التي نريدها، فهي تتحرك على نحو مستدام وفي الاتجاه الصحيح. فضلاً عن هذا كله، لجأ الرئيس وإدارته إلى سلطتهما التنفيذية لوضع حد لبرنامج «التسجيل الخاص» المخزي، والقائم على التمييز ضد الزائرين العرب القادمين إلى الولاياتالمتحدة. كما منح مهلة سمحت بإعفاء ملايين الطلاب الشبان الذين لا يحملون أوراقاً ثبوتية (بما يشمل آلاف الشبان العرب الذين واجهوا خطر الترحيل لأسباب لا علاقة لهم فيها)، كما عمد الرئيس إلى سن قانون يضمن أجراً متساوياً للمرأة ويحمي المستهلكين من المؤسسات المالية المنعدمة الضمير. وأهم من هذا كله، أن الرئيس تمكّن من إصدار «قانون الرعاية بأسعار معقولة» الذي يضمن حق كل أميركي بالنفاذ إلى الرعاية الصحية. وفي اليوم الذي أيدت فيه المحكمة العليا هذا القانون، بكت عائلتي بأسرها، لأننا عرفنا أن حفيدتنا هوب البالغة من العمر سنتين والمصابة منذ الولادة ب «متلازمة داون» لن تلقى بعد الآن رفضاً لتغطية رعايتها الصحية بسبب «حالتها السابقة الوجود». ولا شك في أنني لا أشعر بالسرور إزاء العقبات في الشرق الأوسط، ولكنني أفهم ضخامة التحديات التي واجهها الرئيس أوباما بعد ثماني سنوات من تطبيق سياسات بوش المستخفة وروح المغامرة المتهورة لديه، مع حربين فاشلتين وسلوك جلب العار إلى بلادنا (أبو غريب، والتعذيب، وإنفاذ أحكام قضائية و «المواقع السوداء»)، وازدياد قوة القيادة الإسرائيلية وانقسام السلطة الفلسطينية واختلالها، ودولة إيرانية أكثر نفوذاً وأرضاً خصبة تتزايد فيها مستويات التطرف. ومع الصعوبة التي اتسمت بها هذه التحديات، واجه الرئيس مجدداً كونغرس الجمهوريين المعرقِل الذي سعى لإرباكه وإرباك الديموقراطيين الضعيفي الإرادة وغير الراغبين في مساندته. وقد صدّوا جهوده الهادفة إلى إقفال غوانتانامو. واعتبر الجمهوريون خطابه المدهش والشجاع في القاهرة بمثابة «اعتذار على القيم الأميركية» و «خيانة لإسرائيل». وفي وقت قريب لا يزيد عن السنة الماضية، عندما قام أوباما بجهد أخير لاستئناف المحادثات الإسرائيلية–الفلسطينية، ساند قادة الحزب الجمهوري رئيسَ الوزراء الإسرائيلي في اللوم الذي وجّهه لأوباما، ودعوا نتانياهو إلى إلقاء كلمة في جلسة مشتركة للكونغرس، حيث نهض أعضاء الكونغرس ليصفقوا للقائد الأجنبي 29 مرة أثناء إلقائه خطابه. وبعد أن صد الجمهوريون كل الجهود التي بذلها الرئيس لإنقاذ الاقتصاد وضمان الرعاية الصحية لكل الأميركيين واستعادة سمعة الولاياتالمتحدة في الخارج، كانوا على قدرٍ كافٍ من التهور ليزعموا أنه فشل. وهم يعزون العجز المتفاقم إلى أداء الرئيس، في حين أن نسبة 80 في المئة من العجز ناتجة عن التكاليف السنوية للتخفيضات الضريبية المتهورة للرئيس بوش، وحربين غير ممولتين، و «خطة أدوية الوصفات الطبية» غير الممولة. والآن، يريدون «استعادة» البيت الأبيض. بإمكانكم أن تعتبروني قديم الطراز، لكنني لا أؤمن بمكافأة السلوك السيئ وغير المسؤول. ويريد الجمهوريون إعادة السياسات الاقتصادية ذاتها -مع مزيد من التخفيضات الضريبية للأثرياء وعدد أقل من القوانين في القطاع المالي وقطاع التصنيع– التي وضعتنا على شفير الانهيار. كما يريدون إعادة المجموعة المعنية بالسياسة الخارجية عينها، التي هندست سياسات جعلتنا في حالة حرب وعزلتنا عن العالم. ومع استخدامهم بلا رحمة عبارة «كره الإسلام» كمشكلة شائكة في الجولات الانتخابية الثلاث الأخيرة (بمشاركة من غينغريتش ووست وباكمان وبالين وكاين وأدلسون) يريدوننا أن نعتقد أن بإمكانهم أن يؤتمَنوا على أصواتنا. لا، شكراً! سأبقى وفياً للرئيس وللحزب الديموقراطي. وأعتقد أنه في حال حقق أوباما فوزاً حاسماً، وفاز عدد من الديموقراطيين الحسني السيرة في انتخابات مجلسي النواب والشيوخ، فسيمنحه ذلك تفويضاً ضرورياً لمواجهة سياسة العرقلة التي يعتمدها الحزب الجمهوري، ويكون بمثابة دعوة هامة لليقظة موجهة إلى الجمهوريين كي ينقذوا حزبهم من زمرة المتطرفين الذين تحتجزهم كرهائن. وتجدر الإشارة إلى أن الحزب الديموقراطي هو الحزب الذي يفهم مجتمعي ومخاوفه، وهو الحزب الذي نجد فيه شركاءنا في مجتمعات السلم والعدالة، والمكافحين من أجل الحريات المدنية، والكنائس، والأميركيين الأفريقيين، واللاتينيين، والأميركيين الآسيويين، واليهود التقدميين، وكثيرين غيرهم ممن تعاملنا معهم طوال عقود. عملنا معاً أربع سنوات لصنع التاريخ وانتخبنا باراك أوباما في منصب الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدة. ثم بقينا مجتمعين طوال السنوات الأربع الماضية، وعلى رغم العقبات وخيبات الأمل، واصلنا كفاحنا في سبيل السلم والعدالة. ونحن نعمل الآن مجدداً لإعادة انتخاب الرئيس أوباما في 6 تشرين الثاني (نوفمبر). وفي 7 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، سنواصل كفاحنا معاً لجعل الولاياتالمتحدة أفضل، وأقوى وأكثر ذكاءً. * مؤلف «أصوات عربية» مؤسس ورئيس «المعهد العربي- الأميركي».