في خطوة أثارت علامات استفهام كثيرة، سمحت الرقابة العسكرية في إسرائيل لصحيفة «يديعوت أحرونوت» بنشر تحقيق صحافي يؤكد أن الجيش الإسرائيلي كان وراء اغتيال الرجل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية خليل الوزير (أبو جهاد) في منزله في تونس في 15 نيسان (إبريل) العام 1987. وكانت إسرائيل رفضت طوال الأعوام الماضية تأكيد مسؤوليتها عن الاغتيال رغم أن زوجة الشهيد، انتصار الوزير (أم جهاد) التي كانت شاهدة على العملية، أكدت في أكثر من مناسبة أنها سمعت الجنود الملثمين يتحدثون باللغة العبرية. واعتبرت السلطة الفلسطينية، في رد فعل أولي، اعتراف إسرائيل العلني وللمرة الأولى باغتيال «ابو جهاد» دليلا قاطعا على ضلوعها في اغتيال القادة السابقين، بمن فيهم الرئيس الراحل ياسر عرفات، كما اعتبرته «دليلاً مهماً في حال اللجوء مستقبلاً إلى مقاضاة إسرائيل في المحافل الدولية». وقال عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» عباس زكي ل «الحياة» إن القيادة ستبحث في اجتماعها المقبل الخطوات القانونية والسياسية المطلوبة للرد على «جريمة الاغتيال»، و«ستعمل على الحصول على عضوية محكمة الجنايات الدولية بعد حصولها على مكانة عضو مراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، لتتسنى لها مقاضاة إسرائيل عن كل الجرائم التي ترتكبها ضد شعبنا». ونشر المراسل للشؤون الاستخباراتية في الصحيفة الاسرائيلية رونين برغمان مقابلة مع ناحوم ليف الضابط المتقاعد نائب قائد وحدة النخبة العسكرية «سييرت متكال» التي نفذت الاغتيال، قبل أن يقضي في حادث طرق العام 2000. ونقل برغمان عن ليف اعترافه بأنه كان الجندي الثاني الذي أطلق النار على «أبو جهاد» قبل أن ينضم الجنود الآخرون إلى إطلاق النار للتأكد من أنه لم يعد على قيد الحياة. وأفاد برغمان أنه خاض معركة قضائية استمرت فترة طويلة مع الرقابة العسكرية حتى سمحت له بنشر المقابلة. وأثار النشر استهجان مراقبين في إسرائيل حاولوا استكشاف الدافع وراءه. واستبعد معظمهم أن يكون وراء النشر قرار سياسي يقف وراءه رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو الذي يعلم أن اعترافاً رسمياً من إسرائيل قد يكلّفها المحاسبة القانونية. وأشار أحد المراقبين إلى أن النشر ما كان ليرى النور لو كان ليف ما زال على قيد الحياة، مضيفاً أن رئيس الحكومة وزير الدفاع في حينه اسحق شامير واسحق رابين هما أيضاً ليسا في عداد الأحياء، وعليه لا تمكن محاسبتهما قانونياً. وحصر معلق آخر النشر في إطار المعركة الطويلة التي خاضها برغمان مع الرقابة العسكرية، مضيفاً أن من السهل على قادة عملية الاغتيال الآخرين تفنيد الرواية المنسوبة إلى ليف واتهام الناشر بافتعال رواية. وكان ليف حين نفذ عملية الاغتيال نائباً لقائد «سييرت متكال»، الوزير الحالي موشيه يعلون، وتم اختياره قائداً لعملية الاغتيال. وعن حيثيات الاغتيال، نقل المراسل عن ليف قوله إنه مع وصول أفراد وحدة الاغتيال إلى شواطئ تونس «قام أفراد الكوماندوس بنقل المقاتلين إلى الشاطئ لينضموا إلى أفراد وحدة قيساريا التابعة لجهاز موساد الذين وصلوا إلى العاصمة التونسية قبل يومين... كان عدد أفراد الوحدة 26، وكان ليف على رأس مجموعة من 8 أفراد كُلفت مهمة اقتحام البيت. تم ركن السيارات التي أقلت أفراد وحدة الاغتيال على بعد نصف كيلومتر من منزل أبو جهاد، ومن هناك توجهوا سيراً على الأقدام في اتجاه المنزل. وسار ليف مع مقاتل آخر تنكر بزي امرأة على رأس مجموعة الثماني كأنهما في رحلة ليلية. وأمسك ليف بيده قطعة حلوى كبيرة فيما كانت يده الأخرى داخل علبة فيها مسدس كاتم للصوت. وتقدم ليف إلى الحارس الأول الذي غلب عليه النعاس وهو في السيارة وأطلق النار على رأسه وأرداه قتيلاً».. ونقل المعلق عن رواية ليف: «عندما تلقى المقاتلون إشارة بأنه تم شل الحارس، تقدم أفراد المجموعة الثانية، واستلموا العتاد لاقتحام مدخل المنزل. اقتحم المقاتلون المنزل ملثمي الوجه. إحدى المجموعات توجهت نحو الطبقة الأرضية، وهناك كان الحارس الثاني الذي لم يلبث أن استل مسدسه وقتل. أما الجنائني الذي قرر في تلك الليلة أن ينام في الطبقة الأرضية، فتم إطلاق النار عليه أيضاً. أشفقت على الجنائني، لكن كان لا بد من قتله لضمان عدم وجود أي معارضة محتملة في هذه العملية». وأضاف ليف أنه اختار أحد المقاتلين ليصعد السلم وليف وراءه: «هذا المقاتل كان أول من أطلق النار على أبو جهاد، وأعتقد أن أبو جهاد كان يحمل مسدساً بيده، بعد ذلك قمت أنا بإطلاق النار المكثف عليه، وكنت حذراً ألا تصاب زوجته التي وصلت إلى المكان. لقد فارق أبو جهاد الحياة. أما المقاتلون الآخرون فأطلقوا النار عليه للتأكد من قتله».