مرت بأسواق الأسهم الأميركية أواخر الشهر الماضي الذكرى ال25 لما عرف ب«انهيار 1987». وعلى رغم أن انهيار 1987 سبقه انهيارات عدة وأعقبه مثلها، إلا أن «الإثنين الأسود» الموافق ل19 تشرين الأول (أكتوبر) 1987، يعد اليوم الأسوأ في تاريخ سوق المال الأميركية، وفيه فقد مؤشر «داوجونز» 508 نقاط، وأقفل يومه منخفضاً بنسبة 22.6 في المئة، ومثله فقد «ستاندارد آند بورز» ما نسبته 20.4 في المئة. أسباب الانهيار كثيرة بالطبع، ولكن الظاهرة الاقتصادية المعروفة من انتقال السوق من حال الانخفاض، أو ما يسمى «Bear market»، إلى حال الارتفاع الكبير، أو ما يسمى «Bull market»، ثم انفجار الفقاعة، كانت هي المنحى الطبيعي لانهيار 1987. وبالأرقام فقد كان «داوجونز» لا يتعدى 776 نقطة في آب (أغسطس) 1982، لينطلق بعدها إلى أعلى مستوياته قبل الانهيار عند 2722 نقطة في أغسطس 1987. انهيار 1987 لم يكن الأول، وإن كان الأكبر خسارة للمؤشرات في يوم واحد، فقد سبقه بما يزيد على خمسة عقود تقريباً انهيار 1929، وهو الانهيار الذي تسبب في ما عرف بزمن «الكساد الكبير» Great Depression، الذي ضرب اقتصادات العالم الغربي خلال الفترة من 1929 إلى 1934، وكانت شرارته الأولى فقد مؤشر «داوجونز» ما يقارب 24 في المئة من قيمته يومي (الإثنين) و(الثلثاء) 28 و29 أكتوبر 1929. وباستقراء سلوك المستثمرين في الانهيارين، يتضح أن التدافع للبيع كان سيد الموقف، وهو ما يفاقم الأزمة عادة ويزيدها سوءاً، ومشكلة الذعر في الأسواق المالية أنه ينتقل للجميع بسرعة، ويتعدى الأفراد إلى الصناديق الاستثمارية، وصناديق التقاعد، والاستثمارات المؤسسية، فيتصرف الجميع بسلوك واحد لا فرق بين خبير وجديد. كما أن تركيز وسائل الإعلام على الحدث يزيد الذعر سوءاً، وهو ما تعبر عنه المقولة الإنكليزية Media feed up the crisis، وما يمكن ترجمته بأن الإعلام يزيد النار اشتعالاً. انهيار آخر شهدته سوق طوكيو، حينما قفز مؤشر «نيكاي» من 10 آلاف نقطة في أواسط 1984 ليسجل أعلى مستوياته عند 39 ألف نقطة في آخر يوم من 1989، أي بارتفاع يزيد على 27 ألف نقطة في خمسة أعوام، ليبدأ بعدها رحلة الهبوط فاقداً أكثر من 57 في المئة من قيمته خلال أقل من عامين فقط. ولا تزيد قيمة المؤشر حالياً على 20 في المئة من أعلى نقطة بلغها قبل عقدين تقريباً. وبالتأكيد، لا يحتاج السعوديون إلى تذكيرهم بأواخر شباط (فبراير) 2006، وهو العام الذي أفقد مؤشرهم ما لا يقل عن 13 ألف نقطة خلال عشرة أشهر فقط. ولا تسمح المساحة باستعراض ما حصل في انهيار «dot-com bubble»، الذي ضرب مؤشر «ناسداك» أواخر الألفية الماضية، ولا عن أزمة العالم أواخر 2008. خلاصة ما يمكن قوله، إن أسواق المال ذاكرتها قصيرة، وهو ما يعبر عنه في كتب المالية بالقولMarkets have short» memory»، فالأسواق سرعان ما تنسى أزماتها وتدخل في دورات جديدة من الارتفاعات والانخفاضات والأزمات. وهذا لا يستلزم عودة السوق إلى مستواها قبل الانهيار، فقد احتاج «داوجونز» 25 سنة كاملة ليعود إلى المستوى الذي كان عليه قبل انهيار تشرين الأول (أكتوبر) 1929. وشهد خلال ربع القرن هذا ما لا يقل عن 14 أزمة. الفارق بيننا وبين الآخرين، أنهم سرعان ما يبدأون البحث والتحليل والدرس لما حدث للاستفادة منه مستقبلاً، وإقفال الباب الذي سبب الخلل وأدى إلى الانهيار، في حين بقيت سوقنا المالية مكشوفة بلا دراسات ولا تحليلات، وبقي باب الخلل موجوداً لم يغلق منذ ستة أعوام على حدوث الأزمة، فلا السوق زادت عمقاً، ولا الاستثمار الفردي تناقصت حصته وتأثيره، وهو ما يجعل الأزمة محتملة وواردة دائماً للسبب نفسه المعروف مسبقاً. * أكاديمي سعودي متخصص في الاقتصاد والمالية. @dr-ibnrubbian