قد لا تكون 2009 السنة الفظيعة التي يتوقعها المتشائمون والنائحون على الازدهار المنقضي. فهذه الأزمة، شأن الأزمات السابقة، مقدر لها الانصرام. ومتوسط عمر الأزمات الاقتصادية، منذ تسليط المجهر عليها، من 16 الى 33 شهراً. و 16 شهراً هي متوسط دوام الأزمات أو النكسات الأميركية منذ الحرب الثانية. و 33 شهراً هي عمر الأزمة العالمية الهائلة التي انفجرت في 1929. وقدرت أبحاث دقيقة قام بها المكتب القومي الأميركي (للأبحاث الاقتصادية)، في ضوء مؤشرات الانتاج والعمالة والدخل، أن ابتداء الأزمة كان في كانون الأول (ديسمبر) 2007، وربما في أواخر 2006 اذا احتسبت حال السوق العقارية. وكان ذلك ختام 73 شهراً من النمو أعقبت تشرين الثاني (نوفمبر) 2001. والتأريخ بكانون الأول 2007 يقود الى توقع نهاية الأزمة بعد 16 شهراً في نيسان (أبريل) - أيار (مايو) 2009! ومراحل أزمتنا اليوم هي نظير دقيق للدورات الاقتصادية التي واكبت نشاط الاقتصاد منذ أوائل القرن التاسع عشر. والدورة واحدة في المرات كلها. فغداة مرحلة من نشوة «الأعمال»، وهذه في حالنا كان ابتداؤها في 2001، من علاماتها البارزة زيادة أسعار العقارات ضعفين وعوائد البورصات والأسواق المالية نحو ثلاثة أضعاف، تظهر أعراض أزمة مالية تعود الى الافراط في التسليف بشروط متراخية، والى حمى مضاربة قوية. وهذه الأعراض ظهرت فعلاً في صيف 2007 مع أمواج الخسائر المصرفية، وعجز المصارف عن تسليف بعضها بعضاً، وضعف الثقة المتبادلة في الإقراض، وافلاس الهيئات المصرفية المنخرطة من غير حذر ولا تحفظ في توليفات غير مأمونة، ومع تصحيحات حادة تولتها أسواق المال وأصابت أسعار العقارات من بعد، وتعسر أحوال بعض قطاعات الاقتصاد مثل صناعة السيارات وفروعها. وما يدعو الى حسبان وقوعنا في كارثة اقتصادية غير مسبوقة، تشبه أزمة الثلاثينات الماضية الكبيرة، هو حجم الأموال والالتزامات المالية منذ أوائل الأزمة. والحق أن البلايين الضائعة هذه هي ترجمة عن «عولمة سعيدة» كان من مفاعيلها تعظيم حجم الثروات والانتاج. فعلى سبيل المثل، زاد الناتج الاجمالي الداخلي في الولاياتالمتحدة، من 2001 الى 2008، نحو 4500 بليون دولار، بينما كان ناتج الصين، في 2001 نيفاً و 5000 بليون دولار. ومعنى هذا أن ثروة الولاياتالمتحدة زادت في غضون الدورة الأخيرة ما يساوي حجم الناتج الصيني في أول الدورة. وفي الأثناء، زاد ناتج الصين 2000 بليون دولار، وناتج روسيا 1000 بليون، والبرازيل 600 بليون. وفي الأعوام السبعة الأخيرة، زاد الناتج الاجمالي المحلي العالمي نحو 15 ألف بليون دولار. ويعادل هذا زيادته في أثناء 21 عاماً، بين 1980 و 2001، فأنتجت في 7 أعوام ثروات تساوي تلك التي انتجت في 3 أضعاف المدة التي سبقتها. وعليه، فقسوة التقهقر منذ 2007 إنما هي على قدر الازدهار العظيم الذي سبق. والتصحيح الحاد مقدار 4 الى 5 في المئة من الناتج العالمي، يقتطع قليلاً من هامش محصلة النمو المتراكم منذ أوائل القرن الواحد والعشرين. ولا يحول شيء بيننا وبين توقع تخطي الانحسار 16 شهراً بعد انقلاب كانون الأول 2007 أو انعطافته. وعلى من لا يزالون يحسبون أن خسارة التجارة العالمية المقدرة ب 9 في المئة، في 2009، هي «زلزال اقتصادي» على قول باسكال لامي، أن يتذكروا أن قيمة المبادلات الدولية بين تشرين الأول (أكتوبر) 1929 وتموز (يوليو) 1932 تراجعت من 2966.8 مليون دولار الى 993.5 مليون. وهذا انهيار بلغ 66.5 في المئة، وينبغي أن يحظر القياس على 1929 صبيحة كل يوم أو مساءه. ويحسن بنا، عوض الاسترسال في توقع الانهيار واللهاث وراء «التنظيمات» الجديدة، استشراف قرائن استئناف النشاط الآتي. فالاقتصاد، على رغم قوة الأزمة، لا يزال راسياً على اركان متينة. ففي الولاياتالمتحدة، زاد الطلب الصناعي، بعد 6 أشهر متصلة من الانكماش، 1.8 في المئة قياساً على كانون الثاني، بينما تقلص مخزون الشركات الصناعية 1.2 في المئة دليلاً على نشاط يعقب تردياً دام 16 شهراً من غير انقطاع. وفي شباط (فبراير)، استأنفت عهود المبيع في السوق العقاري الأميركي الزيادة البطيئة، بعد تقهقر متصل منذ آب (اغسطس) 2008. وترافق الزيادة هذه، وهي بلغت 2.1 في المئة قياساً على كانون الثاني، توسع مبيعات المنازل الجديدة والقديمة في الأثناء. ويعد غولدمان ساكس العدة لرد الأموال التي استدانها من الدولة في تشرين الأول 2008، بينما بلغت أرباح ويلزفارغو، أحد المصارف الأميركية العملاقة، مستويات «تاريخية»، ويتوقع سيتي غروب وبنك أوف أميركا أرباحاً جديدة. والبلدان الأخرى، المملكة المتحدة والصين وفرنسا، لا تتخلف عن المسير هذا. وتحمل السوابق التاريخية على التفاؤل. ف 23 شهراً هي مدة الانهيارات القاسية، أي الوقت الفاصل بين تموز 2007 وحزيران 2009. والبورصة، وبلغ متوسط نموها السنوي منذ 1987 فوق 1.2 في المئة بقليل (مع اطراح التضخم والعوائد المسددة وغير المستثمرة)، غداة مجزرة 2008، تباطأت عن 3.3 متوسط نموها السنوي على مدى قرن من الزمن. والتردي فرصة شراء انتهزها من يراهنون على قوة استئناف الشركات توثبها بعد أن بيعت أسهمها بأرخص الاسعار، ونقصت هذه عن قيمة موجوداتها الخاصة. ومع تقلص الفوائد الى أدنى مستوياتها، لا شك في عودة البورصة الى الربح. وقد يرهص انبعاث الاسواق المالية، على ما هي الحال غالباً في حساب الدورات وأطوارها، باستئناف دورة الأعمال العامة. * مؤرخ ومعلق اقتصادي، عن «لوبوان» الفرنسية، 16/4/2009، اعداد و. ش.