بدأت شكوك تراود شريحة من أبناء مصر المحروسة بأن أعمارهم التي تضيع هباء أعلى «كوبري 6 أكتوبر» أو أسفل «كوبري 15 مايو» أو بين شارعي رمسيس والجلاء إنما هي مؤامرة «رسمية» لتغييبهم وتخديرهم وتكديرهم بغرض إبعادهم عن المشهد السياسي. بعض آخر من المصريين يؤكد أنها مؤامرة بالفعل ولكن يقوم بها «الفلول» بإيقاف سياراتهم في عرض الشارع والقيادة عكس الاتجاه بغرض إفشال الرئيس محمد مرسي. فريق ثالث لا يؤمن بهذه النظرية أو تلك لأنه ببساطة شديدة لا يرى الكوبري المشلول أو الشارع المخنوق أو السائق «الفلول»، وذلك بحكم الظلام الدامس في داخل الباص العام حيث ينحشر بين زملائه بالساعات، ومن ثم يفقد القدرة في أن يدلو بدلوه في شأن محور المرور وأسباب العمر المهدور وقفاً في المرور. مر 122 يوماً من برنامج المئة يوم للرئيس الدكتور محمد مرسي، وهو البرنامج الذي حوى وعداً بعلاج المرور الذي تحوّل من أزمة إلى معضلة، وارتقى من مشكلة إلى مأساة، وتحوّر من مخالفات وخروقات إلى فظائع وبشائع. وعلى رغم توقف «مرسي ميتر» - المبادرة الإلكترونية لقياس أداء الرئيس في وعود المئة يوم - ورصده لإنجازين مروريين تحققا من بين 21 وعداً مرورياً، إلا أن أحد الوعدين ارتد عائداً إلى سابق عهده. وقد اتضح أن إنجاز «إزالة كافة إشغالات الطرق» ذو طبيعة مطاطية تنكمش بالحملات الأمنية وتتمدد وتتوغل وتتوحش بغيابها و «كأنك يا أبو زيد ما غزيت»! غير أن «أبو زيد» عاد من عطلة العيد محاولاً إصلاح الوضع المروري المشين الذي تحوّل في شوارع القاهرة الكبرى إلى مشهد تراجيدي يجد فيه المصريون أنفسهم محبوسين بالساعات في داخل العلب الحديد المختلفة، وهو ما أدى في ظل خلل أمني وفراغ رقابي إلى لجوء البعض إلى تفريغ شحنات الضغط وموجات الغضب بالعراك بالأيدي والأرجل وتتطور أحياناً إلى استخدام الأسلحة البيضاء وغير البيضاء بسبب الخلاف على أولوية المرور. «أبو زيد» أو رئيس مجلس الوزراء الدكتور هشام قنديل استهل عودته من إجازة العيد مساء أول من أمس باجتماع مغلق مع وزير الداخلية اللواء أحمد جمال الدين. وجاء ملف المرور على رأس الاجتماع، لا سيما معضلة ال «توك توك» (دراجة مغلقة بثلاثة دواليب) والذي غزا شوارع القاهرة من دون ضابط أو رابط، ويقودها أطفال برعونة في كل الاتجاهات بغض النظر عن الاتجاه المحدد، إضافة إلى الدراجات النارية غير المرخصة والتي باتت سمة العاصمة، ومعهما ظاهرة الباعة الجوالين الذين يحتلون عرض الشوارع الرئيسية ولا يتوانون عن الاعتداء على رجال الشرطة في حال سوّلت لهم أنفسهم إزاحتهم عن الطريق. مصطفى حمدي (42 سنة) يعرّف نفسه بأنه واحد ممن يمضون ربع ساعات العمل معلّقين على «كوبري 6 أكتوبر» ويقول إنه من واقع خبرته المزمنة رأى بعينه كيف تعود إشغالات الطريق إلى مكانها قبل أن يدير الضباط وجنود المرور ظهورهم، وهو ما لا يراه الرئيس مرسي في رحلة الذهاب والعودة من «قصر الاتحادية» إلى بيته في التجمع الخامس المتاخم لحي مصر الجديدة. «طريق الرئيس مرسي ممهد ومخطط ومرصوف، بل وبات مزروعاً، وخالياً تماماً من إشغالات الطريق التي يتم إزالتها يومياً قبل مروره، وبالتالي أفترض حسن النية في تأكيده أنه نجح في حل المرور بنسبة 60 في المئة». وأضاف بأسى: «لكن أخشى أن أبلغ سن التقاعد أو توافيني المنية قبل أن يرى الرئيس الشوارع الأخرى الواقعة خارج ال 60 في المئة التي يمر فيها». ويبدو أن الغالبية المطلقة من المصريين ترتاد نسبة ال40 في المئة المتبقية حيث تتصل العقد المرورية مع بعضها بعضاً في تشكيل واحد تقف فيه مصر على «قلب رجل واحد»، وكل في «محبسه» الذي يسير على أربع. هذه الوقفة التي تجمع كل من تسوّل له نفسه التوجه إلى العمل أو نزول الشارع وثيقة الصلة بالإنجاز المروري الثاني الذي تحقق. فقد نجح برنامج المئة يوم في توفير خدمة هاتفية وقنوات مرورية إذاعية لتوجيه قائدي السيارات إلى طرق «أقل ازدحاماً». والحق يقال إن قائدي السيارات يعترفون بهذا الإنجاز، وإن كان البعض يشكو من أنه أحياناً يأتي بعد أن تكون «الفأس قد وقعت في الرأس»، أو بمعنى آخر يكون حسين قد اخترق شارع طلعت حرب بعدما توقفت شوارع وسط القاهرة عن الحركة تماماً، أو تكون سهام قد اعتلت «الكوبري» وتوسطته بعدما شلّت أطرافه، أو أن يجد أحمد نفسه غارقاً بسيارته في ماسورة المياه المنفجرة، ثم تصلهم رسائل تحذيرية وتطالعهم أصوات تخويفية تحذّر من سلك هذه الطرق. خدمة «بيقول لك» العنكبوتية التي بدأت نشاطها قبل الثورة تعيش هذه الأيام أزهى عصور حركتها وأقوى أزمنة زخمها. الخدمة التي كانت تعمل تحت شعار «هتعرف تروح فين وتيجي منين» اعتماداً على المواطنين أنفسهم الذين يغذونها بالحالة المرورية كل حسب «زنقته» في طور التحول من التنبيه إلى الشوارع المزدحمة والميادين المشلولة إلى الإشارة إلى الشوارع المنسابة بحكم أن الأولى هي القاعدة والثانية استثناء. فبدل رسائل على غرار «البطل أحمد عبدالعزيز لا يتحرك بالمعنى الحرفي للكلمة» أو «من 15 مايو إلى رمسيس مافيش أمل» أو «الطريق الدائري إلى التجمع مثير للقرف» أو «الطريق إلى سيتي ستارز مصاب بالشلل. ساعة كاملة دون حراك»، اقترح مستخدمو الخدمة التوقف عن هذه النوعية واستبدالها ب «من له مصلحة في الدقي يتوجه إلى هناك ... فرصة الدنيا فاضية» أو «فرصة لن تتكرر كوبري أكتوبر في اتجاه التحرير فاضي إلحق والتقط صورة تذكارية»! لكن آخرين اعتبروا عمرهم الذي يضيع هدراً جلوساً في السيارة أو وقوفاً في الباص أو محشوراً في الميكروباص مدعاة لانتقاد الحكومة وبرنامج المئة يوم. أحدهم يحذر من أن «استمرار العمل في محور المرور بهذا الشكل سيؤدي بنا إلى الجلوس في البيت في حال نجح الرئيس فيه بنسبة مئة في المئة». وطالبت أخرى بمن يسعفها بخريطة توضح شوارع وميادين ال60 في المئة المحققة لأن عمرها يهدر في ال40 في المئة المصابة بالشلل!