خرج الشعب من أستاد القاهرة سعيداً بإنجازات المئة يوم الأولى للرئيس محمد مرسي، هانئاً باحتفال النصر الصاخب، ممتناً للظهور على شاشات التلفزيون والتلويح للكاميرا إما بعلامة النصر، أو بعلم مصر، أو بلافتات تدعو لانتخاب مرسي رئيساً لمصر لأن «النهضة إرادة شعب». ولولا التنظيم المذهل من قبل الشباب المرتدين سترات فوسفورية، والباصات المتراصة حول مربع الاستاد لنقل جموع المحتفلين، والحال النفسية الرائعة التي شملت الجميع لاتسم الاحتفال بالذكرى ال39 لنصر أكتوبر بالهرج والمرج الذي عادة يصاحب مثل هذه التجمعات. ورغم تلويح الخبثاء بأن الغالبية المطلقة ممن حضروا الاحتفال الحاشد في استاد القاهرة هم من أعضاء وأنصار ومريدي ومحبي ومؤيدي والمتوائمين مع جماعة «الإخوان المسلمين» وذراعها السياسية «حزب الحرية والعدالة»، وإمعانهم في الخبث والدهاء بتعليل تصفيق الجموع الحاشد للرئيس مرسي بمعدل مرة كل سبع دقائق طيلة ال90 دقيقة التي خطب فيها بأنهم من البسطاء الذين يتم حشدهم من قبل الجماعة بغرض الدعم والتأييد، إلا أن خطاب مرسي التاريخي ليل أول من أمس أرخ لمرحلة جديدة في تاريخ مصر الحديثة. المرحلة الجديدة ظاهرها خضوع الرئيس للمحاسبة، وباطنها حماية الرئيس من المحاسبة بعرض القوة العددية المؤيدة له. المرحلة الجديدة ظاهرها مصارحة للشعب بما تم إنجازه وما تعرض للإخفاق، لكن باطنها تبرير للرئيس وتحصين له من الانتقاد. المرحلة الجديدة ظاهرها أرقام وإحصاءات، وباطنها رفع راية الأرقام لكل من هب ودب. ظاهرها نجاح وباطنها إيحاء. وبلهجة الخبير المثمن والعالم الاستراتيجي وصف «عم سالم» بائع الصحف وقارئها النهم ما حدث في الاستاد بأنه «النجاح بالإيحاء». الرجل الذي عاصر خمسة رؤساء مصريين إضافة إلى ملك شرح وجهة نظره بقوله: «حين تفرط في ترديد عبارات إيجابية تخرج وأنت معتقد أن كله تمام، وهذا هو ما حدث الآن». وما حدث في الاحتفال بذكرى «نصر أكتوبر» من إغراق في نسب مئوية وأرقام لما تم إنجازه من برنامج المئة يوم الأولى ألقى بظلاله الرقمية على المصريين، فاستيقظ الشعب صباح أمس في طوفان من النسب والإحصاءات المرتكزة إلى تقويمات شعبية وآراء شخصية للمواطنين، لدرجة أن برنامجاً إذاعياً خصص فقرة كاملة لعرض الجدل بين مواطنين أحدهما يرى أنه قد تم تحقيق 60 في المئة من برنامج المئة يوم، والثاني يؤكد أن النسبة لا تتعدي 35 في المئة. أما الشارع المصري فاشتعل رقمياً ومئوياً وسيطرت النسب على كل فئات الشعب وجميعها يرتكز إلى «شعور غامر» أو «إحساس دفين» أو «حدس قوي». إلا أن النسب التي أعلنها الرئيس عن نجاح محاور برنامج «المئة يوم» الخمسة والتي تراوحت بين 80 في المئة (الخبز) و40 في المئة (النظافة) أشعلت حرباً عنكبوتية منددة بالنسب المعلنة، تارة بتأكيد أن النسب ترقى إلى التسعينات، وتارة أخرى جازمة على أنها لا تزيد على عدد أصابع اليدين. المجتمع العنكبوتي المنقسم على نفسه بين مجاهد عبر «تويتر» و «فايسبوك» لنصرة الرئيس وآخر مندد به، يشهد منذ بدء الاحتفال ب «نصر أكتوبر» (الذي تحول عرضاً لإنجازات المئة يوم) زخماً وحراكاً عنيفاً. وإذا كانت البرامج الحوارية التلفزيونية اشتعلت تفنيداً وتحليلاً للخطاب وكواليسه، فإن مواقع التواصل الاجتماعي لم تترك كبيرة أو صغيرة إلا وتطرقت إليها. تمكن الرئيس من اللغة العربية وإسهابه في السلامات والتحيات للأخوة والأحباب هلل له البعض وكبروا وسبحوا وبسملوا، فيما انتقده آخرون مطالبين بالقليل المفيد. استنساخ الأساليب المتبعة في البرامج الحوارية التلفزيونية التي تستضيف جمهوراً في الاستوديو يصفق كلما أشار له المخرج أثار استهجان البعض لأنه «مصطنع» لكن البعض الآخر رآه حباً في الرئيس وعشقاً لأمانته وهياماً بمصارحته. حضور رموز «الجماعة الإسلامية» أزعج من أشاروا إلى مفارقة حضور «قتلة السادات» الاحتفال بالنصر الذي قاده، في حين هلل له آخرون باعتباره «إعادة دمج لهم ومصالحة مع المجتمع». عدد المخالفات المرورية التي تم تحريرها كما أعلن الرئيس للدلالة على إنجازات محور المرور أثار سخرية البعض، لا سيما ممن كانوا عالقين في الشوارع المصابة بشلل مروري والجسور الرافعة شعار «السرعة القصوى 2 كيلومتر في الساعة»، لكنه كان نصراً مرورياً مبيناً لآخرين. نصر آخر حققه الرئيس بإشاراته غير المباشرة إلى العدالة الاجتماعية التي طال انتظارها، فبين تأكيد مصحوب بتصفيق حاد على إقامته في شقة «إيجار جديد»، ودعوته إلى أن يحاسب لو شوهد يركب سيارة جديدة مصحوبة بهتاف «مورسي مورسي هو هو «، وقوله إن من يستخدم وقود فئة 95 لسيارته إذن «ربنا يبارك له»، لكنه لن يحصل على دعم تبلورت رؤى المرحلة في ملف العدالة الاجتماعية. الرسالة أثارت إعجاب صاحب «التروسيكل» (دراجة بخارية بثلاثة دواليب) الذي يسعى إلى الكسب من خلال بيع إسطوانات الغاز والذي أشار إليه الرئيس مرسي إشارة رقيقة تكتنفها مشاعر الحب والعطف تمت إضافتها إلى رسائل الطمأنة التي أرسلها من قبل لسائقي ال «توك توك» و «الميكروباص»، لكنها في الوقت نفسه أقلقت الطبقات المتوسطة وما فوقها ممن يخشون أن تتحقق العدالة الاجتماعية على حسابها. الطبقات المتصلة بالشبكة العنكبوتية فوجئت بعد خطاب الرئيس بقليل بخبر سار، إذ تحرك مؤشر الوعود التي تم تحقيقها على «مرسي ميتر» (عداد مرسي المخصص إلكترونياً لتقويم إنجازات المئة يوم) وقد قفز بعد طول سبات. «الوعود التي تحققت خمسة من أصل 64 وعداً»، وذلك بعد ما ظلت متحجرة عند «رقم أربعة». الإنجاز الخامس والأخير في عداد المئة يوم هو «رفع الإنتاجية والقيمة الغذائية لدقيق الخبز». واليوم يقفز العداد ليعلن انتهاء المئة يوم، اللهم إلا لو نجحت محاولات بعض رموز الجماعة في تصفير العداد وحساب المئة يوم بدءاً من يوم 12 آب (أغسطس) حين أحيل وزير الدفاع السابق المشير حسين طنطاوي ورئيس الأركان السابق الفريق سامي عنان على التقاعد.