نيقوسيا - ا ف ب - تشكل السباحة فيديريكا بيلليغريني حالة خاصة في الأوساط الرياضية الإيطالية، نظراً إلى شخصيتها الغامضة والصعبة أحياناً وتصميمها على تجاوز صعوبات واجهتها ومعاناة كادت تبعدها عن الأحواض والمنافسات. غير أن «الشقراء الحالمة» لم تعد مهيضة الجناح، بل لبوة افترست النجاح في بطولة العالم الأخيرة للسباحة التي احتضنها حوض «فورو ايتاليكو» على ضفاف نهر التيبر في العاصمة روما، فأحرزت ذهبيتين من الذهبيات الأربع التي نالتها بلادها، قاطفة فوزين عزيزين في ال200م وال400م مع رقمين عالميين، نافضة عن كاهلها عقبة ضغط الجمهور الذي حضر بالآلاف لمؤازراتها، مثبتة أن «ابنة البلد» على قدر المسؤولية والآمال العريضة. لذا، لم يكن مستغرباً أن يتم اختيارها والأميركي الفذ مايكل فيلبس الذي أضاف إلى رصيده الغني خمسة ألقاب ذهبية، أفضل سباحين في البطولة. أخيراً خرجت بيلليغريني (21 سنة،1.77م و60 كلغ) من جلباب الفرنسية المبتعدة لور مانودو، ولا مبالغة في القول أنها أنهت عصر الفرنسية، علماً بأن بلوغها هذه المرتبة لم يكن يسيراً. وقفت بيلليغريني خلف مانودو في البطولتين الماضيتين، إذ حلت ثانية في سباق ال200م عام 2005 وثالثة عام 2007، وخامسة في ال400م عام 2007. وفي روما، استهلت تألقها بانتصار مدو في ال400م (3.59.15 دقيقة) أنهى ثلاث سنوات من الانتظار، وثبت بروزها الأولمبي في بكين العام الماضي على مسافة ال200م بعدما حلت ثانية في أثينا عام 2004. كما أكد سيرها على الطريقة الصحيحة ومواصلة مسيرتها التصاعدية المتمثلة بسيطرتها الأوروبية وتحطيمها الأرقام العالمية، حتى أن فوزها في دورة بيسكارا المتوسطية (على أرضها أيضاً) اعتبر إشارة انطلاق نحو الزعامة العالمية. لمست بيلليغريني حافة الحوض منهية السباق الشاق ورمقت بنظرة خاطفة لوحة النتائج التي أشارت إلى تحطيمها الرقم القياسي، لكنها بدت غير مصدقة، وهذا ما اتضخ من تعابير وجهها وحركة يدها. وكشفت لاحقاً أنها كادت تفقد أنفاسها في الأمتار الأخيرة: «أردت إنهاء السباق بفارق مريح تكريماً للجمهور الكبير الذي انتظر انتصاري. لقد وضع ثقته بي ولا استطيع أن أفرط بها». وأضافت: «عشية السباق النهائي توعكت قليلاً وشعرت بحرارة خفيفة فنمت باكراً. وجددت المياه الباردة قليلاً في حوض الاحماء نشاطي وحفزتني لانطلاق مناسب». نهم للتدريب توصف بيلليغريني ب «المقاتلة» نظراً إلى عزيمتها القوية، ووجد مدربها البرتو كاستانيتي في هذه الصفة فرصته ليصقل موهبة البطلة ويحصن قدراتها البدنية، ويجعلها لا تلين ولا تستكين «ولا تشبع من التدريب»، منذ أن باشر مهامه معها في أيلول (سبتمبر) 2007. ويلفت كاستانيتي إلى أن توعكاً صحياً أصاب بيليغريني من إشاراته المزعجة نوع خفيف من الربو، كاد يعرقل برامج التحضير لبطولة العالم، «لكنها تجاوزت هذه المرحلة سريعاً وجاء انتصارها في بيسكارا بمثابة أوكسجين منشط في الوقت المناسب» وإلى الإعداد الفني، أولت بيلليغريني عناية بالإعداد النفسي والذهني بإشراف الاختصاصي دانيالي بوبولوزيو، وقد شوهدا يسيران معاً حول حوض «فورو ايتاليكو» مرات عدة قبل السباقات، إذ كانت ترسم في مخيلتها سيناريو المنافسة، وتتأقلم افتراضياً مع ما ستواجهه لاحقاً. «المحاربة» ابنة مظلي وحفيدة بطل إيطاليا للمصارعة، دخلت أجواء بطولة العالم وفي خلدها ذكرى دورة بكين، إذ كانت تشعر بطاقة كبيرة تريد أن تفجرها انتصاراً في سباق ال400م بعد أربعة أشهر من تحطيمها الرقم العالمي خلال بطولة أوروبا في ايندهوفن، غير أن الرياح جرت بما لا تشتهي فيديريكا. في سن الثانية عشرة، لم تكن البطلة الايطالية تقوى على إكمال التدريب. وفي سنوات المراهقة اصطدمت بخيبات بطولة العالم ودورة أثينا، فانتقمت من نفسها بشهية مفرطة للطعام فزاد وزنها، «وكانت هذه المرحلة الأقسى في مسيرتي، لكني تخلصت تدريجاً من تبعاتها، وأدركت أنه يمكن تعويض الخسارة في سن صغيرة». من جهته، يقوم الفرنسي فيليب لوكاس، مدرب مانودو وصانع شهرتها، أداء بيليغريني في بطولة العالم الأخيرة، بقوله: «كان ممتازاً، بدت قوية جداً ولم تتعثر بضغط الجمهور وكأن مانودو كانت عقدتها المباشرة». ويذكر أن السباحة الايطالية طمحت خلال بطولة العالم عام 2007 في ملبورن إلى الفوز في ال200م، لاسيما بعد تحطيمها الرقم العالمي في نصف النهائي، «وظنت أن مانودو ستدخل السباق منهكة بعد خوضها سباق ال50 م ظهراً الذي صادف توقيته قبل 15 دقيقة من نهائي ال200م. لكن مانودو فاجأتها بحضورها بكامل جاهزيتها إثر انسحابها من ال50م، فكان مقلباً مزعجاً»، وخسرت مجدداً امام الفرنسية. ويقارن لوكاس بين السباحتين: «بيليغريني مجتهدة اكثر لا تمل من التدريب بعكس مانودو، والنتيجة ان نضوجها بدأ يؤتي ثماراً يانعة وانتصارات مشرقة، بينما ابتعدت مانودو بعد خيارات متسرعة وفاشلة». في سباق ال200م، أضحت بيليغريني اول سباحة تكسر حاجز ال1.53د بتسجيلها1.52.98 د. وقورن رقمها بما حققه الاسطورة الاميركي مارك سيبتز في دورة ميونيخ الاولمبية عام 1972، حين كسر حاجز ال1.53د مسجلاً 1.52.78د. وهي تفاخر بانها تتدرب بقسوة «للاقتراب من أرقام الرجال»، لذا لا عجب ان يضم سجلها 10 ارقام عالمية قبل ان تبلغ سن ال21.