مناهج للتربية الوطنية في المدارس ومؤسسات التعليم الروسية، أفلام سينمائية وتلفزيونية تلهب المشاعر، وتعزز الارتباط بالوطن. برامج فعالة تبدأ من وسائل الإعلام ولا تنتهي عند نشاطات المؤسسات الدينية والشبابية. قطاعات الصحة والرياضة والعمل الاجتماعي وغيرها، توجه نشاطها نحو هدف أساسي: النهوض بالروح الوطنية في شكل ممنهج ومدروس، بعيداً من ترديد «شعارات مستهلكة» تثير حساسية عند الناس. هكذا، حدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المهمة المطلوبة وسبل إنجازها، خلال اجتماع خاص عقد قبل أيام، لمناقشة مسائل التربية الروحية والوطنية. لم ينسَ سيد الكرملين الذي اعتبر ذات يوم، أن انهيار الاتحاد السوفياتي كان أكبر كارثة في القرن العشرين، أن يستحضر تجربة الدولة العظمى في السابق، في هذا المجال. فاستذكر أن هذه المهمة كان يتولاها قسم التوجيه الأيديولوجي في الحزب الشيوعي السوفياتي، متحسراً لأن روسيا بعد مرور عشرين سنة على خلع العباءة السوفياتية، ليست فيها دائرة متخصصة ببلورة الروح الوطنية وتعزيزها في شكل ممنهج ومنظم. كانت هذه الكلمات مقدمة لإعلان تشكيل هيئة خاصة في هذا الشأن تابعة للكرملين. ولئلا يتسرع بعضهم في توجيه الاتهامات الى بوتين بنسخ التجربة السابقة حرفياً، شدد الرئيس على أن الهيئة الجديدة لن تنشر أيديولوجيات أو تعتمد آليات تبنى على الترويج والدعاية السياسية، فهذه «أساليب لم تعد مقبولة والناس تعبوا منها». واعتبر أن التعامل مع بث الروح الوطنية وتغذيتها بالاعتماد على الشعارات «الجوفاء» والطابع المباشر السطحي سيقتلان «المشروع الوطني» في مهده. والمطلوب من المناهج والبرامج المطروحة تعزيز «ما يوحد كل الروس بكل دياناتهم وانتماءاتهم القومية وتوجهاتهم السياسية، ولدينا ما يوحدنا بالفعل. فكلنا يريد أن يعيش في بلد قوي... لا أحد يعترض على ذلك». وينتظر أن يكون للمناهج المدرسية الدور الأكبر، عبر تخصيص دروس للتربية الوطنية وتوسيع ساعات الدراسة في مواد تلبي هذا الغرض. وكمثال، فقد شكا بعض المشاركين في المناقشات من أن مناهج التعليم الروسية الجديدة قلّصت بمعدل ست مرات، ساعات كانت مخصصة لمناقشة روايات وأعمال أدبية خالدة، كانت تلهب المشاعر الوطنية عند التلاميذ، مثل «الحرب والسلام» لتولستوي. والكرملين الذي يواجه أوسع حركة احتجاجية، وسار خطوات لمواجهة تناميها، لم يبذل جهداً لمحاولة إخفاء أن برامج إحياء «التربية الوطنية» في المجتمع تضع بين أهدافها محاولة رصّ الصفوف ضد «قلة عابثة»، وصفها بوتين بأنها «ترمي القاذورات على الوطن»، ولا تخجل من تلطيخ صورته وهيبته، من دون أن تخشى أحداً أو شيئاً. واعتبر أن «بعضهم» يفعل ذلك وهو مقتنع بأن أحداً لن يحاسبه، ف «نحن لا نعيش في عام 1937»، في إشارة إلى عمليات التنكيل التي شهدها عهد الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين. أما المطلوب في المقابل، ومن خلال إحياء التربية الوطنية التي وصفها بوتين بأنها «المهمة الصعبة والملحة»، فهو التوجه الى الغالبية والمحافظة عليها لأن «كثيرين في روسيا لديهم توجهات قومية لا تخفى، ويدركون أهمية التربية الوطنية ولا بد من عمل فعال ومدروس لإنجاح هذا المشروع». وعلى رغم أن معارضين رأوا في تلك الكلمات محاولة للعب على مشاعر التيارات القومية المتشددة التي غدت منتشرة بقوة في روسيا، ومال كثير منها أخيراً إلى مواقف المعارضة، اعتبر آخرون أن الكرملين يسارع إلى استخلاص الدروس والعِبر من التطورات في العالم، إذ لا تخفى مدلولات كلمات بوتين عندما قال: «تشويه الوعي القومي والتاريخي والأخلاقي أدى الى كوارث في عدد من البلدان، والروح الوطنية هي الأساس الوحيد لبناء مستقبل روسيا. ولا بد من الإفادة من تجربة روسيا الإمبراطورية والاتحاد السوفياتي في مجال التربية والتعليم».