استقبلت أرجاء مشعر الله الحرام منى فجر اليوم أكثر من مليوني حاج ليبدأوا في هذا اليوم العاشر من ذي الحجة «يوم الحج الأكبر»، بحسب ما ورد في الصحيحين، إذ تتم فيه معظم أعمال الحج كرمي جمرة العقبة، والحلق أو التقصير، وذبح الهدي لغير المفرد، وطواف الإفاضة، والتحلل من الإحرام. وذلك بعدما وقفوا الوقفة الكبرى في مشعر عرفات أمس، وباتوا ليلتهم آمنين مطمئنين في مشعر مزدلفة، بإشراف الجهات السعودية المعنية بخدمة ضيوف الرحمن التي أكدت أمس نجاح خطتي التصعيد إلى عرفات والنفرة إلى مزدلفة ثم منى، من دون حوادث غير مألوفة، وفي سياق انسياب مروري لم يكدِّره وجود ذلك العدد الكبير من الحجاج في تلك الرقعة المحدودة. ظلت المشاعر تكتسي منذ يومين اللون الأبيض، وتنطلق من أرجائها أصوات الملبين، وهي مفعمة بالروحانية والسكينة والخشوع والعناية الإلهية. وأكد أمير مكةالمكرمة الأمير خالد الفيصل ووزير الحج الدكتور بندر حجار أن التصعيد تم في زمن قياسي، وأن جميع التقارير مطمئنة، ولم تقع أية حوادث غير مألوفة. وأعرب المفتي العام للمملكة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ في خطبة عرفة بمسجد نمرة أمس عن أسفه الشديد وحزنه لما يشهده العالم الإسلامي من «فتن ومصائب ومآسٍ» وسفك للدماء وتخريب للممتلكات. وحذّر الأمة - حكاماً وشعوباً - من محاولات لإثارة الفتنة عبر إثارة الطائفية، مطالباً الحكام بإدارة بلدانهم الإسلامية من غير إملاءات خارجية. وقال إن المطالبة بدولة مدنية ديموقراطية غير مرتبطة بالشريعة الإسلامية تنافي تعاليم الإسلام وتخالف الكتاب والسنة وأصول الشريعة. وأعلنت النقابة العامة السعودية للسيارات أن أسطول حافلاتها، الذي يضم 18300 حافلة، نقل 1.6 مليون حاج في رحلتي التصعيد إلى عرفات والنفرة إلى مزدلفة. ومن المقرر أن يؤدي الحجاج اليوم (الجمعة) نسك الهدي والأضاحي، ورمي جمرة العقبة. ورصدت بعثة «الحياة» في المشاعر المقدسة انتشاراً كثيفاً لرجال المرور والأمن والحرس الوطني والكشافة على امتداد الطرقات بين عرفات ومزدلفة ومنى. وكان الحجاج بدأوا يدخلون مسجد نمرة منذ وقت باكر بعد وصولهم إلى مشعر الله الحرام عرفات، مرتدين إحراماتهم البيض، وهو ما جعل المشعر الحرام يكتسي بياضاً ناصعاً. وكان النبي محمد (ص) صلّى في موقع مسجد نمرة وألقى فيه ما يعرف بخطبة الوداع. وأكد مفتي السعودية الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ في خطبة عرفة حاجة البشرية إلى توحيد الله. وقال إن من خصائص الدين الإسلامي إلغاء العنصرية، «لا في اللون ولا في اللغة ولا في الجنس ولا في القبيلة، بل إنهم سواء، أكرمهم عند الله أتقاهم، كما قال الله تعالى». وأضاف: «أن من الإيمان بالله أن تكون شريعة الإسلام مصدراً لأنظمة الأمة الإسلامية في سياستها الداخلية والخارجية والاقتصادية والتعليمية، وأن الشريعة حاكمة على جميع شؤون الحياة، صالحة لكل زمان ومكان، ولا تجوز معارضتها بأي تشريع، مهما كان مصدره، ولا أن تكون أحكامها القطعية مجالاً للنقد، وأخذ رأي الناس حولها، بل كلها إلى شرع الله، وبطل ما سواه». وتحدث في خطبته عما يشهده العالم الإسلامي من أحداث فقال: «إن عالمنا الإسلامي يشهد فتناً ومصائب ومآسي وسفكاً للدماء وتخريباً للممتلكات، وهذا يدعو للأسف الشديد والحزن، لأن الوقع شديد، فواجب على حكام الشعوب الإسلامية أن يعملوا من أجل الحوار والتفاهم وحل الخلاف، وإرجاع المختلف إلى أحكام الشريعة، ونبذ الخلاف، وحقن الدماء، وعدم استعمال السلاح، وأن نحذرهم من مكائد أعدائهم الذين يحالون زعزعة أمن الشعوب وحكامها لإثارة الطائفية البغيضة، ولزعزعة الأمة، وسلب أمنها واستقرارها، فالحذر من مكائد أعدائها». وأضاف: «هناك شعار في هذا الزمن بين المسلمين يدعو إلى دولة مدنية ديموقراطية غير مرتبطة بالشريعة الإسلامية، وتقر الكثير من المذكرات، وهذا بلا شك بدعوى الحرية الشخصية، وهذا بلا شك ينافي تعاليم الإسلام ويخالف الكتاب والسنة وأصول الشريعة».