في احتدام الصراعات السياسية بين الفصيلين الكبيرين فتح وحماس تبدو حال الفصائل الأخرى أقرب الى النسيان. بين فتح وحماس قائمة من الفصائل والأحزاب والتنظيمات السياسة بعضها قديم وله تاريخ يمتدُ لعقود، وبعضها الآخر نشأ حديثاً، أي خلال العقدين الماضيين. لا ننسى بالطبع أن بعضاً من تلك الفصائل ولدت من فصائل، أي بالانشقاق. ما يهمُ هنا هو غياب الملامح المستقلة لتلك الفصائل والأحزاب التي تقف في «طابورين» ينحاز أحدهما لفتح، فيما يذهب الآخر باتجاه حركة حماس. صحيح أنها جميعاً تحمل برامج سياسية ولها مواقف تعبّر عنها من خلال البيانات الرسمية وتصريحات القادة والمسؤولين، لكن ذلك كلّه ليس «مربط الفرس» كما يقولون، فالواضح أن ما يحكم ويوجّه تلك الفصائل والأحزاب لا يقع في سطور تلك التصريحات والبيانات ولكن في حيّز آخر يبدو للمراقب بعيداً، أو لنقل متوارياً. هنا يمكننا الحديث عن عاملين مهمين: أولاً: عامل التمويل المالي المستقل، المفقود أو الضعيف في أحسن الأحوال ما يجعل أي فصيل منها يضطر للاعتماد على الدعم الذي تقدمه إحدى الحركتين فتح أو حماس. المسألة هنا تتعلق بالقدرة من خلال المال على امتلاك موقف سياسي مستقل حقاً وقادر على الثبات عليه في مواجهة الصراعات الحادّة في الساحة الفلسطينية. كلُ تلك الفصائل عاشت زمناً لا يستهان بسنواته من بحبوحة مالية تلقت خلالها دعماً مالياً كبيراً من دول وحكومات عربية متعددة، كان يمكنه أن يكون ذخيرة مالية دائمة التجدُد تضعها في موقف مستقل لا يتأثر بالضغوط. ثانياً: غياب الفعل السياسي المؤثّر إذ هي فصائل وأحزاب تفتقر، في معظمها، للتواصل الحقيقي والجدي مع الجمهور، وهي بهذه الحال من الضعف لا تستطيع امتلاك مواقف سياسية ثابتة وقادرة على إعطائها دورها الخاص، المميز والمستقل. يرصد المراقب أن عدداً لا بأس به من تلك الفصائل تحمل أيديولوجيات وبرامج سياسية واحدة، بل وحتى شعارات سياسية واحدة، ولكنها تقاطعات لا تساهم واقعياً في توحيدها، بل هي على العكس من ذلك تزداد تباعداً وانقساماً، حتى بين كلّ فصيل منها على حدة. هي فوضى التكوين الأصلي الذي نعتقد أنه قام أساساً على أسباب لا تكفي للاستمرار وبالطبع لا تنفع في تأهيل تلك التكوينات السياسية لأخذ مواقع متقدمة، وباتت على مدار العقود الماضية موجودة كأمر واقع لا يقدم ولا يؤخر في القرار الفلسطيني السياسي العام. ضرر حالات كهذه أنها تحاول جاهدة أن ترهن الحياة السياسية برمتها لما يمكن أن نطلق عليه التكوين الفسيفسائي، فالحركة الوطنية الفلسطينية عاشت طويلاً محكومة بما يشبه «كعب إخيل» يمثله في كلّ مرحلة احد التنظيمات الصغيرة، الهامشية ولكن القادرة على خلق المتاعب الكبرى للجميع. ربما نفهم في سياق كهذا إصرار قادة تلك الفصائل والتنظيمات على اعتماد «الشرعية الثورية» بديلاً من الانتخابات، ففي ظلال تلك الشرعية الثورية «تضيع الطاسة» ولا يعود ممكناً بسهولة الحديث عن أحجام أو أدوار، وهي حالة نعتقد بأنها ساهمت ولا تزال في مزيد من السلبيات والترهل في ساحة تعاني أصلاً من كل ذلك وتعيشه في مختلف أنشطتها وأشكال حياتها اليومية. هل هي طبيعة الشتات؟ أعتقد أن نشأة تلك الفصائل في الشتات كانت سبباً رئيساً في ذلك، ولكن واقع وجودها في فلسطين اليوم يستدعي بالضرورة سياقات عمل أخرى نعتقد أنها ستكون سبباً حقيقياً وواقعياً في إعادة النظر بوجودها برمّته أو على الأقل في أشكال وجودها الراهن. * كاتب فلسطيني.