هل نريد اقتصاداً غنياً ومجتمعاً متوسط الحال دائم الاستقرار، أم نريد شعباً غنياً، ودولة فقيرة قريبة من الفتن والاضطراب؟ خيارات تبدو مفتوحة، لكنها مفتوحة على كل الاحتمالات. وما الأنسب لنا؟... أن نبقى دولة ريعية همها الوحيد ألا «يزعل» الناس، وألا تتكدر حياتهم «المصنوعة»، أم دولة تعمل بكل طاقاتها لتخرج لنا حضارة نقدمها لأبنائنا وأحفادنا من بعدنا يفاخرون بها يوماً من الأيام. لم يعد كافياً أن تسد الدولة الثغرات التنموية بالمال، فهذا المال لابد له أن ينتهي في يوم من الأيام، ولن يبقى لنا إلا «الأيدي» التي تعمل، والجباه التي تعرق من أجل لقمة عيشها. كل المؤشرات الاقتصادية العالمية تحذر من «مجاعة عمالة» ستجتاح العالم، هذه المجاعة مصدرها الدول المصدرة للعمالة نفسها، في معظمها دول شرق آسيا بالنسبة لنا، وهي تنمو لدرجة أنها في حاجة لكل طاقات أبنائها، وأصبح اقتصادها قادراً، أو قريباً من القدرة، على دفع رواتب مساوية للرواتب في السعودية. لذلك من الأجدى لتك الدول وعمالتها البقاء في أوطانها، وبحسبة بسيطة، لابد لنا من إعادة النظر في نظرتنا لأنفسنا التي غرتها، مع الأسف، موضة بيت شعر قيل في أيام النشوة المالية «غيرك ينقص وأنت تزودي». لابد أن نكون أكثر تواضعاً مع أنفسنا ومع غيرنا، فنحن لا نسهم إلا بأقل القليل في اقتصاد العالم، وتكنولوجيا العالم، وعلوم وطب ورياضيات العالم. وإسهامنا الوحيد فقط هو «أننا نزود العالم بالطاقة التي يحتاجها بشكل ثابت وبأسعار معقولة»، لذلك كله فإنني أدعو عقلاءنا الاقتصاديين للوقوف لحظة أمام تاريخ ليس ببعيد، كنا فيه فقراء حد العدم، بل كنا أحياناً نحن العمالة التي تجوب العالم بحثاً عن لقمة العيش، لكننا كنا ندير حياتنا بأنفسنا. ما أريد قوله هو أننا في حاجة «لدولة غنية»، تشارك شعباً يعمل، توفر له فرص العمل الدائمة، والمسكن الملائم، والتعليم المتقدم، والرعاية الطبية النموذجية، ثم تطالبه وتتيح لكل أبنائه وبناته العمل والإنتاج في كل شؤون حياته، من دون النظر لغرور مصنوع، ولا نظرة دونية لمهنة ما، ولا إلى عنصرية قميئة ضد النساء الباحثات عن العمل. نحتاج إلى الاستثمار في برامج تنموية حقيقية، وإلى صرف سخي في البنية التحتية، وأن نعمل ونشتغل في بلدنا، رجالاً ونساءً، من نظافة الشارع إلى إدارة محطات الطاقة النووية المزمع إنشاؤها. كنت أسأل نفسي، مثلي مثل غيري، ماذا لو صحونا ذات يوم ووجدنا أن كل العاملين في بلادنا ذهبوا بلا رجعة، ماذا لو ملوا منا ومن كل تعاملنا معهم، ماذا لو غارت بحار النفط من تحتنا، مَنْ سيخبز «خبزنا»؟ مَنْ سيقود حافلات الطلاب والطالبات؟ مَنْ سيقود نساءنا إلى أعمالهن؟ مَنْ سيكتب خطابات مديري الإدارات الإنكليزية؟ مَنْ سيجلب المياه «بوايتاتها» إلى بيوتنا؟ ومَنْ سيسحب مياه الصرف؟ مَنْ سيشغل الكهرباء، ويصلح أعطال الهاتف؟ مَنْ سيُمرض آباءنا، ويدخلهم إلى دورات المياه، وينظفهم ويغير على جروحهم؟ مَنْ سيكتب الدواء ل«20» مليون سعودي، مَنْ... ومَنْ... ومَنْ؟... قائمة لا تنتهي؛ من عجلاتي السيارات، حتى مضيفة الطيران. نحن لسنا عالة على العالم، بل على هامش إهماش هذا العالم، ولابد لنا من وقفة متواضعة وصادقة مع أنفسنا، فالأيام حبلى والمنطقة تموج بالصراعات، ونحن أمام مفترق طرق، فإما نأكل من صنع أيدينا، ونلبس مما نخيط، وإلا سنجد أنفسنا قاب قوسين أو أدنى من موت حضاري، فليس لدينا ما نقدمه لأجيالنا المقبلة، أو نورثه لهم إلا ما تركه أخونا الأجنبي، عندما كان يعمل عندنا. [email protected] @dad6176