في زقاق لا يبعد كثيراً من شارع الرشيد التاريخي، الأكثر ازدحاماً وحركة في بغداد، يقع سوق «الغزل» الشهير، حيث تقام حلبات صراع أسبوعية للديكة وتباع أيضاً الحيوانات. يشتهر هذا السوق البغدادي القديم بكونه سوقاً متخصصاً في بيع الحيوانات وشرائها، بمختلف أنواعها وأشكالها وأحجامها، جاذباً المئات من الزوار على رغم افتقاده التنظيم والنظافة. ومع أن السوق، أو بالأحرى باعَتُه وبضائعه، يتمدد على الرصيف، من مجمع السنك التجاري في بغداد، حتى سوق الشورجة التجاري الشهير في بغداد. إلا أن قيام القوات الأمنية، كل يوم جمعة، بإغلاق هذا الشارع، ساهم في توسع السوق في مساحات أوسع، إذ بات الباعة ينزلون إلى الشارع مع حيواناتهم المعروضة للبيع والفصال، وأحياناً للفرجة والعرض كما الحال مع الديكة. وزائر السوق يرى فصائل الحيوانات المتنوعة، من الأليفة كالطيور والدجاج والخرفان والأحصنة والأرانب وأسماك الزينة والضفادع والسلاحف، والضارية منها كالكلاب البوليسية والأسود والنمور والأفاعي... كأنه حديقة عامة للحيوانات. ويقول خالد محمود، وهو أحد رواد السوق، إنه يوفّر له شيئاً من الراحة التي يحتاج إليها بعد أسبوع طويل في العمل، «ففي حين يكون هذا السوق خاملاً طوال أيام الأسبوع، يشهد يوم الجمعة زحاماً كثيفاً وحيوية لافتة، فأمضي صباح كل يوم جمعة في هذه المنطقة الممتعة، أتفرّج وأتنزه وقد أصادف أصدقاء، من دون أن أشتري شيئاً بالضرورة». وخالد لا يقصد السوق لشراء الحيوانات، مثلما يفعل غيره من مرتادي المكان، بل يتوجّه إليه سعياً إلى «تغيير الجو» وربما تحقيق نوع غير مألوف من الاستجمام وسط الضجيج وأصوات الحيوانات وصراخ الباعة. يتفرّج فينسى مشاغله في مدينة ما عادت تتوافر فيها وسائل الترفيه. وفي أيام الجمعة، العطلة الأسبوعية الرسمية في البلاد، تزدهر حركة السوق في شكل كبير، وليس خالد وحده من ينشد بعض السلوى هناك، بل الكثير من البغداديين الذين يتمشّون فيسلّون أنفسهم ويتوقفون لأحاديث عابرة مع المعارف. ويرتاد السوق أيضاً العديد من سكان المدن المجاورة لبغداد، ويلاحظ في بعض الأحيان وجود زوار أجانب أو صحافيين يحملون كاميرات لتوثيق ما يشاهدونه في السوق. وما يميز السوق ليس بيع الحيوانات العادية فحسب، بل المفترسة أيضاً والبرية والنادرة جداً، وبعضها قد يصل سعره إلى ملايين الدنانير، كالأنواع النادرة من الببغاوات والصقور والكلاب والقطط، بل حتى الأفاعي والعقارب. ويقول أبو رعد، وهو أحد باعة الحيوانات في السوق: «أمضيت سنين طويلة في تربية الطيور والدواجن حتى أصبحت مهنتي التي أعتاش منها، ولم يعد في مقدوري العمل في مجال آخر، لذلك أحضر إلى السوق كل يوم جمعة، فهذا يوم الذروة وفيه تزداد احتمالات تحصيل الرزق». وإضافة إلى بيع تلك الحيوانات، يقيم بعض مربي الديكة العادية والرومية، حلبات صراع لديكتهم، تعقد عليها الرهانات، وتعلو من حولها صيحات المشجعين الهاتفين، فيتحمّس حتى من لم يراهن على ديك بعينه، تماماً كما يحصل حول حلبات الملاكمة التي تنقل مبارياتها القنوات الفضائية. وعلى رغم الدم والعنف الذي يسود صراعات الديكة، فإن هواة الفرجة ينغمسون في فرح غريب، أماراته أقرب إلى الاضطراب والذعر منها إلى الحبور، ما يذكر بالمتعة التي يحصل عليها هواة أفلام الرعب... جرعة طوعية من الأدرينالين ربما.