قد يستنكر البعض هذا العنوان، معتبراً أن الازدواجية لا يمكن أبداً أن تكون موضع امتداح، وأنها بالأوْلى علامة على تشتت وانفصام، وأن ما عانيناه من جرّاء الاحتلال الأجنبي لبلداننا، وما ترتّب عنه من هزات خلخلت بنياتنا الاجتماعية والثقافية واللغوية، وغرست جنب تقليدنا حياة عصرية، وبثت في صلب ثقافتنا عناصر غريبة، وأقامت إلى جانب لغتنا لغة ثانية...، إن كل هذا كاف لكي يجعلنا نمجّد الوحدة وننشد الائتلاف، ونعمل ضد كل مظاهر الازدواجية بهدف استرجاع مقوماتنا واسترداد هويتنا. لا يبدو هذا الاعتراض بعيداً كل البعد عن الصواب، إلا أنه ينطلق ربما من مفهوم مبسّط متداول عن الازدواجية، يعتبرها مجرد إضافة عنصر إلى آخر، مجرد إقامة طرف «إلى جانب» آخر. لكن، ربما كان للازدواجية معنى آخر، لا يقوم على هذا المفهوم «التخارجي» بين الأطراف، ولا يربط التعدد بمفهوم «حسابي» ينظر إلى الازدواجية على أنها مجرد عملية إضافة وضم. فإن كان لا بد من تقريب بين التعدد هنا وبين المعنى الحسابي، فربما كان أولى أن نقول إن الازدواجية إلى عملية الضرب أقرب. لتقريب المعنى ربما كان قياس الأمر على الازدواجية في مجال اللغة أحسن طريق، حيث نتبين أن الازدواجية ليست تساكناً بين شكلين للأحادية اللغوية Deux monolinguismes. فهي ليست إضافة لغة إلى لغة، ووضع واحدة منهما «إلى جانب» الأخرى، وإنما هي حلول للازدواج «داخل» اللغة نفسها. الازدواجية هي أحادية مشروخة. فكما لو أن الازدواجية لا تحيل إلى زوج، فهي ترد بالأولى إلى مفهوم مغاير عن الوحدة. كتب الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز: «علينا أن نكون مزدوجي اللغة حتى داخل لغة بذاتها: علينا أن نحوز لغة أقلية داخل لغتنا نفسها بالذات، علينا أن نستخدم لغتنا نفسها استخداماً أقلياً. ليست التعددية اللغوية حيازة نظم عدة يكون كل واحد منها متجانساً في ذاته فحسب، بل هي، أولاً، خط الهروب أو التنويع الذي يمس كل نظام مانعاً إياه من التجانس. لا أن نتكلم كإرلندي أو روماني في لغة أخرى سوى لغتنا، بل بالعكس، أن نتكلم في لغتنا نفسها كأجنبي». الازدواجية إذاً «خط الهروب» الذي يمس كل منظومة ليحول بينها وبين الانغلاق والانكفاء على الذات. إنها ما يجعلني أجنبياً في لغتي، ما يفتح الهوية على الخارج، ما يجعل الأنا آخر. على هذا النحو يمكن أن نقول إن الازدواجية ليست «لعنة» حلت بفكرنا وثقافتنا ولغتنا، وإنما هي أساساً طريقنا إلى الخلاص وسبيلنا إلى التحديث، شريطة ألا ننظر إليها بطبيعة الحال على أنها مجرد ضم لأطراف وجمع عددي بينها.