إنها اللحظة التي انتظرها 60 أو 70 عاماً، يريد أن يخلع عن عاتقه ذلك المزيج من «حلم» و «همٍّ»؛ رافقه طوال حياة امتدت عقوداً وعقوداً، يساعده ابنه، يستعجل خلع «المخيط»، فها هو يشم رائحة المدينةالمنورة، حطت قدماه على أرض استقبلت على ظهرها.. بصدور أبنائها «الرسالة السماوية» الأخيرة. إنها «عجلة الشوق» إلى زيارة الحرم الثاني وقبر المصطفى الأمين، كيف لا؟ وهو الذي قضى عمره يحلم بهذا اليوم، يجمع عاماً بعد عام، ويحاول سنة بعد أخرى أن يحظى بهذه الفرصة... رأى ابنه يكبر يوماً بعد يوم، ويشب، وها هما معاً ليكملا دينهما، فها هو الركن الخامس قد بات بين لسان وكفّ وخطوة. يريد أن يخلع عن ظهره قميص الدنيا بزواريبها وأفكارها ومتاعها، ويذهب متواضعاً زاهداً بما فيها، متجهاً إلى ربه الواحد. «فلتساعدني بني.. ولا تعترض»... هكذا يبدو لسان حاله، فكيف له أن يعترض! وقد أتى إلى الكعبة بشعر أسود وجسد غض وقوة وبأس، إنها فرصة كبرى أن يأتي شاباً لا أن يأتي بعد أن هدم الزمان ما هدم.