في محاضرة ألقاها ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، الأمير سلمان بن عبدالعزيز، في جامعة الملك عبدالعزيز، عن «الاعتدال في حياة الملك عبدالعزيز»، ذكر سموه أن الملك عبدالعزيز قد أعلن للملأ أنه «لا يريد أن يرى مظلوم في هذه البلاد»، وأكد سموه السير على نهج المؤسس الملك عبدالعزيز، طيب الله ثراه. وليسمح لي سموه أن أقول، بأن الشباب «الذكر والأنثى» في هذا الوطن يحتاج إلى عناية وتركيز أكثر في شأن تبني مشروع استراتيجي للعناية بالشباب. مشروع يستخلص أجمل ما في الشباب «ذكوراً وإناثاً»، لكي يخرجوا الجميل وينبئوا عنه - وما أكثر ذلك الجميل الدفين - إذ إننا لا نرى منهم إلا الممارسات السلبية فقط، لعدم تهيئة المكان والبيئة المناسبين، لا يمكن تحميل البيت أكثر مما يطيق، فلم يعد الشباب يؤمنون بأفكار والديهم، ولا يمكن تحميل المدرسة عبء الشباب، حتى لو كان في اسم الوزارة مصطلح «تربية»، ولا أن نتركهم لثقافة المسجد، لأن الخطاب الديني أفرغ من محتواه، ولا الركون إلى الإعلام، فثقة الشباب في وزارة الثقافة والإعلام ووسائلها «شبه منعدمة»، كما لا يمكن أن يوكل الأمر إلى رعاية الشباب ففاقد الشيء لا يعطيه. أمر الشباب أكبر وأعقد وأهم وأخطر من كل ذلك لأنه مستقبل أمة ومصير وطن. الشباب يا سمو الأمير... مستقبل هذا الوطن وعماده، بعد الله، ويشكلون أكثر من 65 في المئة من عدد السكان، ويكاد يختنق من الإهمال وانعدام الثقة وعدم الاهتمام وتقليدية الخطاب وضعف التواصل بسبب مجموعة من الثقافات المتراكمة التي انتهت صلاحيتها، ما قاد كثيراً من أولئك الشباب إلى أن يكونوا مشكلة على ومع أنفسهم وعائلاتهم ومجتمعهم. يذهبون إلى مدارسهم كل يوم، وفي المساء، ولو متأخراً، يخلدون إلى النوم، لكن ما بين مقعد الدراسة وسرير النوم يتيهون، وفي كل شارع يهيمون، وفي الأسواق يتسكعون. ليس هناك من نشاط يمارسونه، أو فعل يؤدونه، أو بيت يخدمونه، فلم يعد شباب اليوم كجيل الأمس، الذي كان يشارك مع الأهل والجيران والعشيرة، بل لم يعد التواصل بين الآباء والأبناء كما كان، الحال تغيرت، واللغة تبدلت، وكل في فلك يسبحون. الشباب يا سمو الأمير ... طاقة متجددة فيها الكثير من الحيوية والنشاط، وإذا لم تترجم تلك الطاقة في أمرين: التشغيل والإشغال، فستنعكس تلك الطاقة سلباً على الشباب وأهلهم ومجتمعهم ووطنهم، عندها سيكون الوطن الخاسر الأول من هدر تلك الطاقة، ويتحمل الوطن، أيضاً، الكلفة الباهضة لإعادة الاستفادة من إيجابيات تلك الطاقة. فإذا كانت مجالات العمل عصية وصعبة وشاقة أمامهم فهل نقفل أمامهم كل سبل الانشغال بما ينفعهم وينفع الوطن؟ شباب اليوم في المجتمع السعودي، وفي كل مجتمع، ليسوا كما نظن أو كما نعرف. ظهر جيل جديد يسمى جيل ال«Y»، وهو الجيل الذي ولد بين 1980 - 2000، كما يُطلق عليه جيل «الإنترنت»، هذا الجيل له سمات وخصائص تختلف عما سبقه من أجيال، ومن أبرز خصائصه أنه يفكر بطريقة مختلفة ضمن مجموعة افتراضية، لكن من أخطر وأعقد خصائصه أنه لا يؤمن بالقيم والمبادئ التي اعتنقتها الأجيال التي سبقته. هذا الجيل مهذب ومؤدب، لكن ما بداخلهم ينبئ عن نفسه في صور شتى يغلب عليها ما تطلق عليه الأجيال السابقة الاستهتار والسلبية أو يطلق عليه بعضهم «الاستهبال». من ناحية أخرى، هناك الكثير من السمات الإيجابية والمثالية لدى الأجيال الجديدة، مثل الولاء، والإيثار، والتطوع لفعل الخير، والعمل الجماعي، وحب العمل الاجتماعي من دون مقابل وسمات جميلة أخرى. لكن الأجيال الشابة تتوق إلى الثقة بها والاعتراف بإمكاناتها وتمكينها، وأسوأ ما يواجهه جيل الشباب هو عدم الثقة والإهمال والتهميش. إذا كان الإثم هو: «ماحاك في النفس وكرهت أن يطلع عليه الناس»، فقد باتت حياة الشباب كلها إثماً، بل إثم مركب. التدخين ممنوع فيدخنون سراً، التجمع ممنوع فيجتمعون خفية، الموسيقى ممنوعة فيستمعون لها ويطربون ويرقصون في الأماكن المغلقة أو الأقبية. المغامرات الشبابية بالسيارات أو الدراجات أو أي من الوسائل الحديثة ممنوعة، فيضطرون إلى ممارستها بعيداً من الأنظار. ماذا نتوقع من شباب يتم طردهم من كل مكان، من البيت والشارع ومن الأسواق؟ لماذا نطردهم من النور إلى الظلام؟ في الظلام تختلط الأمور ولا يصبح هناك فرق بين سيجارة تبغ وسيجارة أخرى، مادام كلاهما ممنوعاً، وفي الظلام يستوي قرص «البندول» وقرص الجندول - لا يوجد قرص جندول ولكنه كناية عن الأقراص الممنوعة التي نسمع عن تدميرها بالملايين من حرس الحدود ورجال الجمارك - حتى أحاديثهم أو طعامهم أو مجالسهم أو ما يحبون الاستماع إليه أو مشاهدته، لا يتناسب مطلقاً أو يتسق مع ما تقدمه أو تريده الأجيال التي سبقتهم. مع «البي بي»، و«الوتز اب»، و«تويتر»، و«فيسبوك»، وبقية وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح كل منهم «مع نفسه» يعيش واقعه الافتراضي. هذا المجال والفضاء الجديد هو القبو والنفق الطويل الذي دخلته الأجيال الجديدة، وأثبتت بعض الإحصاءات أن 80 في المئة من جمهور «الربيع العربي» هم من جيل ال «Y»، وأعمارهم 15 - 30 عاماً. ما الحل إذن؟ الحل، يا سمو الأمير ... في استراتيجية للشباب يتولى مهمتها ولي الأمر، بعيداً من دهاليز البيروقراطية وتعقيدات الوزارات الحكومية، ولا يوكل مهمتها إلى أحد بل يتولاها بنفسه وفريق العمل معه. مشروع مستقل ينطلق في كل منطقة بحوار شبابي بعيداً من منهجية «مركز الحوار الوطني» العتيقة وبعيداً من هيمنة ما نسميه تأدباً «العقلاء والحكماء»، حوار شباب مع شباب، لكي يخرجوا ما في جعبتهم وما يدور في مخيلتهم، ثم يوضع ذلك كله في برنامج وخطة عمل وطنية. حوار «المستقبل الآتي» - على حد تعبير البروفيسور إدوارد سعيد، رحمه الله - الذي ينشُد المستقبل ويتوق إليه لكن لا يَنْشّدُ إلى الماضي ويعود إليه. «المستقبل الآتي»، يعبر عن إشكالية سيطرة الماضي على التفكير عندما يتعلق الأمر بالمستقبل. وهو تفكير فيه الكثير من الإبداع والابتكار ويعمل على قطيعة معرفية مع الماضي وانعتاق منه. بالتساوي مع ذلك، أهمية أن ترصد الدولة مبلغاً لا يقل عن 100 ألف مليون لإقامة 1000 نادٍ شبابي في كل حي من أحياء المدن السعودية في مدة زمنية لا تتجاوز خمس سنوات، وأن توكل مهمة التنسيق والإشراف على التنفيذ لأمراء المناطق، وأن يكون ذلك من أولى أولوياتهم. لدينا أمراء مناطق يملكون الكثير من روح وأفكار الشباب ويواجهون سلبياتهم يوميا، ولكنهم مكتوفي الأيدي من الوزارات المركزية التي خنقتها البيروقراطية. فلنعطي لأمراء المناطق مجال في الالتصاق وخلق روح التنافس بين الشباب. الشباب يا سمو الأمير ... يريد مراكز حضارية وأندية عصرية في كل حي، تضم بين جوانبها كل أدوات ووسائل الترفيه البريء... يريدون مسارح، وسينما، وملاعب، وصالات ثقافية، ومكتبات، وأساليب جديدة في تلقي المعرفة واكتشاف العلوم. يريد الشباب ان يعبروا عن ذاتهم ومواهبهم باعتراف وطنهم، وليس خلسة يواجهون فيها كل أسباب المنع والشجب. ثقافة منع التجمعات بأي حجة يجب ان يعاد النظر فيها لكي تصبح التجمعات ظاهرة وعلنية فتنقلب خير وليس شر. ثقافة منع التجمعات بحجة دينية كالإختلاط وغيره مبالغة قسمت المجتمع وزادت من الأقنعة الاجتماعية. الدولة بقيادة خادم الحرمين الشريفين لم تترك موضوع ذا صلة برفاهية هذا الشعب بكل فئاته وأطيافه إلا وتبنته وشجعته، وفي سبيل ذلك صرفت الملايين والبلايين بل التريلونات لتعليم الشباب، لكن هذا الجهد والمال يفقد قيمته أمام أمرين: الاول، ثقافة أجيال القرية بكل مكونات تلك الثقافة المغلقة والمنغلقة؛ الأمر الثاني، انعدام الثقة في الأجيال الجديدة من الشباب، بحجة معرفة مصلحتهم وما يجب ان يكونوا عليه. ولذا، بين الثقافة البالية والثقة المفقودة ضاع الشباب. ياسمو ولي العهد... لديكم كنز وطاقة متجددة تكمن في الشباب، ذكور وإناث، يملكون بذرة جيدة فيها الولاء والحب والاحترام والإيثار والمروءة وفعل الخير وكل ماهو مثالي، فلا توكلونها الى من لا يعرف قيمتها لكي يحرفها عن الطريق بعلم أو جهل، بقصد أو من دون قصد. نحن دولة قوية وامة فتية حباها الله خيرات كثيرة فزيدوا قوتها منعة بالشباب، وجددوا جمالها نضارة بالشباب. وفقكم الله، وحفظ الله الوطن. * باحث سعودي [email protected]