احتفلت السورية فاطمة بولادة طفلها بصحة كاملة في مخيم للسوريين اللاجئين في الأردن، بعدما اجتازت الحدود مشياً وهي حامل في شهرها السابع، هرباً من القصف والقنص والعنف في قريتها التي صارت ساحة معركة. صندوق الأممالمتحدة للسكان (UNFPA) أطلق حملة على «فايسبوك» و «تويتر» للاحتفال بها، وبكلّ أم تضع طفلها بصحّة جيّدة، في ظروف صحية غير طبيعية، في مخيمات اللاجئين ومناطق النزاعات. ويقول مسؤولون ان الصندوق وزّع أكثر من 12 ألف مساعدة عينيّة طبية على أمهات سوريات حوامل، لتأمين ولادة صحّية لأطفالهن من شأنها ان تحفظ صحة الأم والمولود معاً. بمعنى آخر، هناك 12 ألف أم حامل سورية عاجزة عن الوصول الى مستشفى أو مستوصف أو حتى طبيب، كي تضع طفلها في ظروف صحية آمنة. وهي تستعيض عن ذلك بالمساعدة الطبية التي توزعها الأممالمتحدة، وتحوي مقصّاً معقّماً لقصّ الحبل السري وقفازات مطاطية معقّمة وثياباً للرضيع، وغيرها من الأساسيات التي لن تخطر في بال قارئ في القرن الواحد والعشرين. اثنا عشر ألف امرأة حامل استطاعت الأممالمتحدة أن توصل إليهنّ هذه المساعدة، والسؤال هو كم عدد النساء الحوامل السوريات اللواتي لم تستطع المنظمة الدولية الوصول إليهنّ، مشرّدات تحت نيران القصف، ينتظرن موعد وضعهنّ أجنّتهنّ بخوف ورهبة، وحيدات محرومات من أبسط حقوقهنّ المدنية الصحّية؟ الأمثلة المؤلمة تتراكم لتثبت تعذُّر القول إن المرأة لم تدفع ثمن الثورات والنزاعات المسلحة، تماماً كالرجل، وربما أغلى. فلمَ عليها أن تواصل دفع الأثمان بعد الثورة؟ وصلت حكومات الثورات على عربة الديموقراطيات والحريات ومقاومة الظلم والاستبداد والقمع والتسلّط. وقبل منتصف الليل، تحوّلت العربة الى يقطينة كبيرة، والحصان فأرة صغيرة. زال السحر، وعادت سندريللا أدراجها مشياً بفستان ممزق بالٍ. سندريللا الثورات نزلت الميادين والساحات منادية بالعدالة والمساواة، مؤمنة بالديموقراطية الآتية مع التغيير، لتحريرها من القوانين الظالمة وممارسات العنف التي تحرمها حقوقها المواطنية الأساسية: من حقّها في التحصيل العلمي والرعاية الصحّية والعمل واختيار شريك الحياة وتقرير مصيرها، الى حقّها في الملاحقة القانونية للمعنِّف والمغتصِب والقاتل باسم الشرف، وغيرهم من المتسلّطين على حياتها ومستقبلها. بين الكلام المعسول لحكومات الثورة وممارساتها، مساحة تكبر فيها وتتكاثر «شياطين تكمن في التفاصيل»، كما يقول المثل الألماني، تفاصيل الدساتير الموعودة. أيُعقل ألا تتضمن مسودة الدستور الجديد في مصر مبادئ تجرّم التمييز ضد المرأة والإتجار بالبشر وزواج القاصرات وتشغيل الأطفال والعنف الأسري والعنف ضد المرأة والطفل، بعد المسيرة النضالية الطويلة للمرأة المصرية؟ تقول رئيسة المجلس القومي للمرأة في مصر السفيرة ميرفت التلاوي: «ما دام هناك ظلم اجتماعي وثقافة ذكورية في المجتمع المصري، من الضروري تضمين الدستور الجديد تمييزاً ايجابياً لمصلحة المرأة، كي يحصل التغيير». وتؤكد وجوب فرض نسبة للتمثيل النيابي النسائي في الانتخابات المقبلة، لا تقلّ عن ثلث عدد النواب في البرلمان، (التمثيل الحالي لا يتعدى 2 في المئة)، لافتة الى ضرورة اشتراط أن يكون تمثيل المرأة على قوائم الأحزاب بنسبة 20 إلى 30 في المئة، وإلا تعتبر قائمة أي حزب لاغية، كما هو معمول به في الجزائر». إن ترشيح امرأة الى منصب رئاسة الدولة المصرية، لا يكفي كي نقول ان أوضاع المرأة بألف خير، بل المطلوب حفظ حقوق النساء جميعهن بالترشح الى مناصب سياسية عبر دستور جديد يرعى الحريات ويكرّس المساواة. برلمان الثورة التونسي أمام اختبار رئيسي أيضاً يكمن في اعتماد اقتراح «هيئة التنسيق والصياغة» المكلّفة مراجعة مشاريع القوانين للدستور الجديد، والذي ينصّ على «مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة والحفاظ على تكافؤ الفرص مع اعتماد معيار الكفاءة»، إضافة إلى «تجريم العنف ضد المرأة»، بدلاً من مشروع القانون الذي قدمته كتلة حركة «النهضة الإسلامية» الحاكمة، والذي ينص على مبدأ «التكامل» بين الرجل والمرأة عوضاً عن «المساواة». وهذا المشروع أثار احتجاجات في صفوف المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، على خلفية تهميش المرأة ودورها في مجتمع ما بعد الثورة. في اليمن، تطالب الجمعيات الأهلية بضمانات دستورية واضحة تكفل المشاركة السياسية للمرأة بحصة تبلغ 30 في المئة في الجمعية الوطنية، وتمنح النساء الحق في إعطاء أولادهنّ الجنسية اليمنية بصرف النظر عن جنسية الوالد الأجنبية، كما ترفع تلك الضمانات معدلات النفقة، وتجرّم زواج الفتيات دون سنّ الثامنة عشرة، كذلك تطالب بإدراج بند يؤكد التزام اليمن الاتفاقات الدولية لحقوق الإنسان، بما فيها اتفاق إنهاء كلّ أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW)، واتفاق حقوق الطفل (CRC). من أجل فاطمة الناجية وطفلها الآتي إلى عالمنا متحدياً النار والبارود، ومن أجل نساء أخريات مجهولات زرعن الحياة في حقول الموت الرمادية، الحقّ، كلّ الحقّ، في دساتير تحاكي المستقبل وتحتفل به، وتضع الأسس لأنظمة تحفظ الحقوق المدنية للمواطنين والمواطنات على قدم المساواة، ومن دون تفرقة. * نائبة رئيس تحرير مجلة «لها»