إنها حقيقة تاريخية، النساء أفضل ذوقاً من الرجال في كل شيء تقريباً، إلا في بعض اختياراتهن للرجال أنفسهم، وأخيراً يبدو أنهن سيكنَّ أفضل استثمارياً، على مستوى مشاريع ترتبط بالذائقة، وتدر بعض المال، وبعض الثقافة. اطلعت على تجربة ربما ليست جديدة بالكلية في المملكة، لكن الرياض الجميلة الحبيبة «المزدحمة» تحتاج إلى المزيد منها، ففكرة مشروع «مطعمين، لغذاءين»، تبدأ أولاً بغذاء العقل والذائقة الذي ربما يغذي الروح، ثم بغذاء الجسم عبر قائمة طعام لطيفة. أطلعني صديق على هذه التجربة لمستثمرتين تبنّتا تدشين «غاليري» ومطعم، استقطبتا ثلاث مبدعات سعوديات في مجالات فنية مختلفة، بدا لي أنها التصوير، التصميم، والفن الذي يُعنى بالمجسمات الغريبة، وعرضتا أعمالهما بعنوان «القوة الناعمة» في صالة تشبه المكتبة، تتيح أماكن للقراءة والتأمل، وفي الطابق العلوي صممتا مطعماً أنيقاً، يعكس بطعامه وديكوراته ذائقة يبدو أن كثيراً من الفنانات أسهمن فيها. وفي كل فترة زمنية مناسبة سيتم استقطاب مبدعين جدد للعرض، وهكذا ستكون تغذية الذائقة متواصلة، وهنا نقطة مهمة، هي إتاحة الفرصة أمام الموهوبين أو المغامرين من الجنسين لعرض ما لديهم من دون التكاليف التي سيتحملونها لو اعتمدوا على أنفسهم فقط. الصديق نفسه حدثني، و«أنتظر أن يدعوني ليريني عياناً أيضاً» عن مقهى آخر لمستثمر شاب استعان أيضاً بموهوبات سعوديات لتصميم مشروعه الصغير، بشكل فيه ما يمكنني تسميته روحاً ثقافية، وأيضاً حضرت الكتب والصحف بشكل يحفز على القراءة، والاستمتاع بها. يعتقد صديقي، وأتفق معه، أننا بحاجة ماسة إلى مثل هذه المشاريع، فالمطاعم والمقاهي ستفتح، وستعمل وتحقق الأرباح كونهما من وسائل الترفيه الرئيسة «للأسف»، فسيكون أجمل لو ابتعدتا عن ثقافة ملء البطون بالطعام، وحقن الدماء بالكافيين، واقتربتا أكثر إلى جاذبية يمكن أن تسهم في تحسين الذوق العام، المزاج العام، وانطباعات الزوار والسياح، الذين يمكن أن يجدوا أماكن «لزيزة» خارج جدران الفنادق الفخمة الباردة والمملة أحياناً. كلما ذكرت المطاعم أستحضر مقولة رجل الأعمال محمد العقيل وهو يزورنا في مقر «الحياة» في التسعينات بحكم مجاورتنا لشركته، بأن المطاعم في بلادنا ستكون في طفرة دائمة لقلة وسائل ترفيه العائلة، واليوم أستحضر أن الترفيه يمكن أن يكون رفاهاً ثقافياً وفنياً، ومع المشروعين أعلاه، ومن قبلهما بعض المبادرات في جدة والخبر، يزداد الأمل في المزيد من الذوق والإبداع والفائدة. لعل القاسم المشترك هو وجود المرأة مستثمرة أو مشاركة، ربما لأن تفكيرها في الطعام لا يمكن أن يكون مجرداً مثل الرجل، فهي حتى عندما تطعمنا في المنزل، تهتم بتفاصيل لا يمكن أحياناً أن تخطر على بال «رجل». [email protected] @mohamdalyami