حادثة ال 26 من سبتمبر، التي نحرت فيها عاملة منزلية من الجنسية الإندونيسية، طفلة سعودية في مدينة ينبع «غرب البلاد»، وضعت السعوديين في مواجهة «تسونامي» من الإشاعات، لا يقل عن الزلزال البحري الذي ضرب الساحل الغربي لجزيرة «سومطرة» الإندونيسية عام 2004 كواحدة من أعنف الكوارث الطبيعية في التاريخ. ويقول خبراء جيولوجيون في حال «تسونامي» «إن موجة التذبذب في أي نقطة تأخذ من 20 إلى 30 دقيقة لتكمل دورة كاملة. كما أن تحرك الموجات لا يمكن ملاحظته من قبل السفن» وهو وصف علمي يكاد يتطابق مع حال «تسونامي ينبع» إذ إن الجريمة وقعت في فترة مقاربة لارتكاب جريمة كاملة، كما أن سفينة الأسرة في حال الطفلة المغدورة لم تكن تتوقع سيناريو الحادثة عطفاً على حال الود التي كانت بين الأسرة والخادمة. ويرى محمد المسعودي، وهو باحث تربوي، وكاتب مهتم بالشأن الاجتماعي، أن «تسونامي» الشائعات التي تعدت أمواجه سواحل مدينة ينبع، لتصل معظم المدن السعودية، هو أمر متوقع، وبات يرتبط بمعظم الأحداث في السعودية، قياساً بحال الاستعداد التي يبديها المجتمع لكل حال جديدة، مضيفاً «ربما حال طفلة ينبع توافرت فيها عناصر درامية أخرى، إضافة إلى كون العاملة المنزلية هي أيقونة رسمية في معظم البيوت السعودية، وهو أمر يرفع سقف الاهتمام، ويعزز من فرص الشائعة للرواج». ويعتقد المسعودي، أن «أصداء تلك الشائعات حول الجريمة التي توافرت أركانها، ووضع العاملات المنزليات في السعودية، يتسرب للإعلام الخارجي، ويتحول لموجات جديدة من الشائعات المضادة» مشيراً في هذا السياق إلى ما سماه «ممارسات إعلامية محلية أسهمت بعضها في رفع سقف الشائعات لأعلى درجاتها، وربما تضر بالقضية بشكل أو بآخر» . وعلل المسعودي، في اتصال هاتفي ل «الحياة»، من مقر إقامته في ماليزيا، إذ يحضر رسالة الدكتوراة، «أن عجز المؤسسات التربوية في السعودية عن مواجهة مثل هذه الشائعات التي تصل في ثوان، عبر شبكات التواصل الاجتماعي، والأجهزة الذكية، إلى «تراجع دور (الوالدين) في البيت و(المعلم) في المدرسة، خصوصاص وهم يستخدمون نفس وسائل الاتصال التي يستخدمها أبناؤهم، ويتهافتون عليها لساعات طويلة، مما يمنح هذه المصادر سلطة أعلى من سلطة المؤسسة التربوية نفسها». ومن يدرس تبعات «التسونامي» يتابع كيف يفكر الناس بالهرب لأبعد نقطة عن مكان حدوت الكارثة البحرية، لكنهم يعودون سريعاً بعد أول تطمينات. وهو الأمر نفسه الذي يرصده متابعون لشائعات «تسونامي ينبع» وكيف ظهرت في الأيام القليلة الماضية استجابة لتلك الرسائل النصية التي تتحدث عن حدوث حالات قتل قادمة بتواريخ محددة، وهو ما أثر على سلوك عاملات سعوديات سواء باصطحاب أطفالهن معهن لأماكن العمل، أو الذهاب بهم لأحد من أقاربهم كاستجابة واضحة لتأثير تلك الشائعات، إلا أن الأمر سيعود لوضعه بعد موجة تطمينات قادمة أو بفعل التعود. وعلّق محللون الجرس حول طريقة التعاطي مع الأحداث، وما سماها الباحث المسعودي، بنظرية «الوضع في الإطار» وهو مصطلح شائع في لغة البرمجة العصبية، موضحاً أن نجاح الشائعات في التأثير اعتمد على لغة الموجة الأولى من «الإفصاح عن الحادثة» وأن أفضل طريقة في التعاطي سواء كان للتصريحات الرسمية أو الخطاب الإعلامي هو «التعامل مع المعلومة المجردة، دون استخدام المفردات الوصفية». ودلل الباحث التربوي محمد المسعودي، بشكل عام على أهمية خلو الموجة الأولى من العبارات العاطفية لأي حادثة أو التي تحتمل التأويل أو التي تصنع بيئة مناسبة للشائعة وإثارة البلبلة، مثل عبارات (جريمة هزت المجتمع السعودي) أو (تجرد القاتل من انسانيته) أو (مسلسل جرائم الجنسية الفلانية) وكذلك عدم السماح بإظهار كل من هم رهن التحقيق على وسائل الإعلام، حتى يمكن لجهات التحقيق أن تعمل في جو يحقق العدالة، وفق الشريعة الإسلامية التي تمثل مصدر التشريع في السعودية، وتطبق على الجميع. وخلال كتابة التقرير كانت «هزات» ما تعرف ب«البرودكاست» ترصد شائعات جديدة ولكنها هذه المرة ليست على شكل تحذيرات مباشرة، وإنما على شكل «نكات» يطلقها أشخاص مجهولون لترسيخ فكرة الشائعات السابقة، وهي نكات تصفها سيدات بأنها «تثير الضحك للوهلة الأولى، لكنها تدعو للتفكير بعد ذلك، وتشتت الذهن خصوصاً حينما تصل الرسائل ذاتها لاطفالهن وتبدأ الاسئلة كيف ومتى وهل ؟!. واليوم تلعب الأجهزة الذكية وشبكات التواصل الاجتماعي، دوراً كبيراً في نقل المجتمعات لموجة من «الشائعات العامة»، بعد ان كانت الشائعات تطال غالباً النجوم والمشاهير، وسط أصوات ضعيفة تواجه الاحداث والشائعات معاً بمطالبات تنادي بقرارات تنظيمية ورقابية تماماً، فيما يتزايد كل ثانية قدرة تلك الشائعات، لتصنع من حادثة ينبع التي وقعت في 26 من سبتمبر «تسونامياً اجتماعياص» يشبه «التسونامي البحري» الذي وقع أيضاً في 26 من ديسمبر قبل ثمانية أعوام.