«حَائطٌ سابحٌ وبيتْ يختفي كُلّما ظَهَرْ رُبّما يقتلوننا أو ينامونَ في المَمَرّ... زَمَنٌ فاضحٌ وموتْ يَشْتهَينا إذا عَبَرْ شارعٌ واضحٌ وبنتْ خرجتْ تُلصِقُ الصُوَرْ فوق جدران جُثّتي ... وخيامي بعيدةٌ وخيامٌ بلا أُثَرْ..» آاه أيها العبقري آه يا محمود درويش كنت تتحدث عن عذابات الشعب الفلسطيني، وها نحن نتحدث عن عذابات شعوب عربية أخرى أصبحت تعرف طعم المنافي ولا تشتهي رائحة المخيمات. آه يا محمود.. لقد كان لهؤلاء النسوة بيوت، تلك المرأة المحتضنة طفلها وفي عينيها كل حزن الكون، كان لديها «ركوة» وفناجين وبن يليق بقصائدك. هذا الطفل المعفر بالتراب وخلفه سرب من الخيام والخراب، كانت لديه ألعابه التي دمرتها آلة الحرب في بابا عمرو.. لا أخلاق في الحرب ولا رحمة في المنافي، كانوا يستحمون بضوء القمر في بيوت تفوح بالياسمين، فأصبحوا يستحمون في العراء بالعفار.. لا شجر في المكان. لا قمر في السماء. لا صور على الجدران. لا مكان في المكان. الزمن استدار فجأة نحو الألم. فجأة استحالوا إلى رقم في كشوف منظمة الأمم. تركوا ذكرياتهم في الرستن وتلبيسة والقصير والحولة والكرك، واستوطنوا خيماً بلا رائحة. هذه المرأة التي تحمل وليدها وسطل الغسيل، كان لها بيت تعطره بأنفاسها.. هذان الصبيان اللذان يلهوان على «صبطانة» دبابة دمرت بيوتهم قبل أن يدمرها آباؤهم، كانت لديهم مراجيح وحدائق ملأى بالوجوه.. أولئك النسوة اللاتي استندن إلى الجدار وأمامهن أطفالهن، كن ذات يوم يجلسن في قلوب رجال أحبوهن، وهن اليوم يا محمود يترقبن بشائر النصر من أولئك الرجال، الذين هبوا يثأرون لكرامة أمة وحرية أطفالها. آه يا محمود.. كم هي الأرض ملأى بالحصى والشوك والطرق الموحشة التي لا تنتهي. ميسر الشمري @miassarshammari