يصل عدد القنوات التلفزيونية اليوم في العراق الى حوالي 50 قناة، فضائية وأرضية، تواصل العمل متوجهة الى المشاهد العراقي خصوصاً، وباللغة العربية. وتتوزع هذه القنوات، بحسب «مقام جغرافي»، إذ إن بعضها يبث من خارج العراق وله مكاتب عمل في بغداد وبعض المحافظات، كما ان له مكاتب مماثلة في عواصم أخرى... وبعضها الآخر يبث من بغداد، أو الموصل أو البصرة وما بينهما من محافظات عربية اللغة (تمييزاً لها من المحافظات الكردية التي لها رقم مقارب من القنوات التلفزيونية، تبث باللغة الكردية). أما المشاهد العراقي فيميّز بين هذه القنوات على أساس آخر، واضعاً إياها في ثلاث مجموعات: الأولى منها هي تلك التي يجدها تعنى بأمرين تعتبرهما أساسين، وهما: جودة البث وتنوع مادته من حيث الموضوع والعنصر الفني في ما تقدم من أعمال وبرامج، وتبنيها قضية الإنسان- المواطن العراقي بوجوه معاناته المختلفة في حياته اليومية. والثانية هي القنوات الحكومية والحزبية التي وضعتها الدراسة في خانة واحدة، واصفة إياها بالقنوات التي «تقولب نفسها» في ما لها من شخصية فنية وموضوعية، ضمن إطار محدد ومنحاز سلفاً حتى في ما تنقل من أخبار، وفي طبيعة هذه الأخبار. أما المجموعة الثالثة فهي تلك التي يصفها أحد الإعلاميين وصفاً فيزيائياً بأنها كالهواء، ذات خصائص ثابتة: فلا لون لما تقدمه، ولا طعم، ولا رائحة. ضمن هذا التوزيع التصنيفي تكاد قنوات المجموعة الأولى تحظى بالنصيب الأوفر من المشاهدين العراقيين، في الداخل والخارج.. والسبب في هذه الحظوة، «عنايتها باهتمامات المواطن، الحياتية والإنسانية» كما يرى بعضهم. فهي في كثير من برامجها، وفي ما تقدم في نشرات أخبار معنية بهذا المواطن... بل يجدها المشاهد، في عدد المواقف والحالات، منفذاً له لإطلاق صوته ليصل به الى من يعنيهم الأمر. ولا شك في ان «الشرقية» و «البغدادية»، اللتين تبثان من خارج العراق، تحتلان الموقع الأبرز في خريطة الفضائيات العراقية. والسبب المحتوى الذي يعني هذا المشاهد أكثر من سواه من برامج تعقد الصلة بين أبناء العراق في الداخل والخارج (من المهجرين والمهاجرين)، كما انها تقدم كل طرف منهما بحياته، ومعاناته، وطرق عيشه، ووجوه إبداعه، وأساليب تفكيره بالمستقبل. ثم هناك بحسب مشاهدين «ذلك العرض الموضوعي، والدقيق لمعاناة الإنسان العراقي: في الداخل حيث الإهمال العام للإنسان في أعقد مشكلاته وأبسط متطلبات حياته... وفي الخارج حيث يعيش صراعه اليومي من أجل البقاء والاستمرار»، بما رأى فيه أحد المشاهدين «قوة حياة»، على رغم قسوة الظروف التي يعيشها المواطن العراقي اجتماعياً، خصوصاً بالنسبة الى من يعيشون في بلدان أوروبية وغربية، حيث حاجز اللغة، وتباين العادات واختلاف التقاليد. وهناك أيضاً - كما قال عدد من المشاهدين - حضور الشأن العراقي، أكثر من سواه، في هذه القنوات، وذلك من خلال: الخبر، والتقرير المصوّر، والتحقيق الذي ينقلهم الى عمق موضوعه، والمقابلة. والمهم، في هذا الجانب بالذات - كما أكدت غالبية الآراء - «تعدد ألوان الطيف فيها بتعدد طبيعة الحياة العراقية». هذا في وقت يأخذ المشاهد على قنوات أخرى مآخذ: فهي - كما يراها - إما تكون حبيسة أفق ضيق يمليه انتماء محدّد (حزبي أو ديني- طائفي) يتم التقريب، أو الإقصاء، استناداً الى إملاءاته، فتجد مثلاً، المحاوِر والمحاوَر، وهما يتجاذبان أطراف الحديث في شأن أو قضية، يرددان العبارات ذاتها... بل تجد المحاور، في عدد من الحالات، هو الذي يقرر الحكم (الذي كثيراً ما يأخذ صيغة الإدانة والتخوين)، ليسأل ضيفه السؤال الذي أصبح معهوداً في مثل هذه الفضائيات: بماذا تعلّق؟ فيجيبه الضيف: أتفق معك تماماً في ما قلته، وأود أن أضيف... (ثم يأتي بجمل وعبارات أخرى لم تأت في كلام مضيفه، وهي تنتظم في السياق ذاته). ويجد المشاهد أن مثل هذه الفضائيات إنما تثير الخصومة وتزرع الفرقة، ويشدد على «القناة الرسمية»، ويقول: «إن هناك أخباراً أخرى، ومدناً أخرى تعّج بالايجابيات، لا بالسلبيات وحدها، وشخصيات ثقافية وأدبية وفنية أوسع بكثير من الفسحة التي تتحرك فيها»، داعياً إياها الى أن تكون: لكل العراق والعراقيين.