مللنا أسماءهم وألقابهم وأحزابهم وتصنيفاتهم واستقبالاتهم وقصورهم وأسفارهم ولقاءاتهم وحواراتهم ونزاعاتهم ووجوههم، و...مللنا المسرحية الهزلية: 8 آذار، و14 آذار. مللنا كذبهم ودجلهم واستجهالهم لنا. يتناوبون السرقات، والنهب، والتسلّط، وحماية الزعران، ومافيات المولّدات الكهربائية، ومهرّبي المخدرات ومروّجيها، ومبيّضي الأموال، وخاطفي الأبرياء، و... نعم، من فساد إلى فساد، وتحت الشعار نفسه: «محاربة الفساد». يذهب جيل ويأتي جيل. من جيل فاسد إلى جيل أكثر فساداً. نصح الغراب الأب ابنه في أحد الأيام قائلاً: « إذا شاهدت ابن آدم يحنو نحو الأرض، أهرب بعيداً عنه بسرعة، لأنه يريد التقاط حجر ليرميك به ويرديك». ابتسم الغراب الابن وأجابه: «ماذا لو كان يحمل حجراً في جيبه؟!». لا نأمل كثيراً من الأجيال المتسلّطة الجديدة، لأن دهاءها أدهى وأخطر من دهاء ابن الغراب. إنها أكثر نهماً وشراسة في العضّ على حصصها من جبنة الستة وستة مكرّر. انهما يشكّلان فريقي حكم. عندما يتوافقان على مقاسمة الجبنة، تحظّر التظاهرات المطلبية ويحتوون مسؤولي الاتحادات، إما برشوتهم أو بتهديدهم الشخصي، ويلهون الناس بالسفاهات والتفاهات والسفسطات الإعلامية عن إنجازاتهم الوهمية، وتثبيت سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي المفقود من جيوب 95 في المئة من الشعب. كل يوم حادثة، ولكل حادثة محلّلون وحكاية. أمّا عندما يتسلّط فريق على آخر ويستأثر بالجبنة وحده ويطارد، مثل «الحيتان»، أسماك الفريق الآخر، يلوذ الفريق المستبعد والمستضعف - فرادى وجماعات - إلى مسرحية «التماسيح»، وتبدأ فصول التباكي على مصالح الناس المعيشية والصحية والسكنية و... والدعوات إلى الاتحادات الخاضعة لتمويلهم، إلى التظاهر والحشد، وتطول الخطابات في الولائم، و... لا خلاص للبنانيين من هؤلاء الحيتان والتماسيح سوى بربيع عربي «سوكليني»، يتشكّل من مستوعبات «ستة وستة مكرّر»، يتمّ شحنهم فيها إلى باخرة تنقلهم «مكرّمين» مع قوانينهم الانتخابية، إلى مكبّ في صقيع السهول الكندية.