سعت تركيا إلى التقليل من شأن تأثير حادثة إجبارها طائرة مدنية تابعة للخطوط الجوية السورية آتية من موسكو على الهبوط في أنقرة للتفتيش، في علاقاتها مع موسكو. واعتبرت أنقرة أن الأمر لا يتجاوز استخدام تركيا حقها في السيادة على أجوائها وأن هدفها هو دمشق وليس موسكو. وأكدت وزارة الخارجية التركية أن أنقرة اتخذت الإجراءات كافة لضمان سلامة ركاب الطائرة السورية، رافضة الانتقادات في شأن تعاملها مع الحادثة. وقالت الوزارة «لا أساس للمخاوف حول تعريض سلامة الركاب والطائرة للتهديد» وذلك بعد اتهامات من قبل موسكوودمشق. وأبدت أوساط سياسية تركية قلقها من وقوع تركيا في فخ توتير علاقاتها مع روسيا قبيل زيارة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين تم تأجيلها قبل أزمة الطائرة بيومين بناء على طلب من موسكو من دون توضيح للأسباب. وقالت مصادر في رئاسة الوزراء التركية ل «الحياة» إن الإعداد لزيارة بوتين التي كانت مقررة في الثلث الأخير من الشهر الجاري كان قد تم على أكمل وجه وإن أنقرة كانت تتوقع إزالة بعض الخلافات في ما يتعلق بعدد من الملفات الإقليمية ومنها الملف السوري وملفات اقتصادية عدة، حتى أن رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان اتصل شخصياً بالرئيس بوتين قبل أيام لتهنئته بعيد ميلاده الستين. وفي هذا الإطار التقى وكيل وزارة الخارجية التركي فريدون سينيرلي أوغلو مع السفير الروسي لدى أنقرة فلاديمير إيفانسكي من أجل تزويد الجانب الروسي بمعلومات وتوضيحات طلبها في شأن حادثة الطائرة السورية حيث حاول سينيرلي أوغلو تخفيف حدة الحادث، قائلاً إن السلطات التركية منحت قائد الطائرة خيار العودة إلى موسكو بدلاً من الهبوط في أنقرة لكن قائد الطائرة رفض العودة وأصر على إكمال مساره، كما رفض إعطاء أنقرة قائمة بجنسيات الركاب ما حال دون الاتصال بسفاراتهم. وبعد اللقاء تم الإعلان عن تاريخ جديد لزيارة الرئيس الروسي أنقرة في 3 من كانون الأول (ديسمبر) المقبل. وكانت موسكو قد طلبت توضيحات رسمية من أنقرة حول أسباب إجبار الطائرة على الهبوط بالقوة وتفتيشها ومنع 17 راكباً روسياً على متنها من الاتصال بسفاراتهم في أنقرة. كما نفت موسكو في خبر على وكالة أنبائها الرسمية «إيتارتاس» التصريحات التركية التي تفيد بالعثور على مواد عسكرية مهربة على الطائرة. وقال مصدر روسي في الخارجية للوكالة: «لا دافع لكي تقوم روسيا بتهريب أسلحة إلى سورية بطرق غير شرعية، إذ يمكنها إرسال السلاح إلى سورية في شكل شرعي وعلني». وقالت مصادر روسية: «إن المعدات الوحيدة التي كانت على متن الطائرة السورية هي قطع غيار لتراكتور فلاحي والحمولة تابعة لرجل أعمال تركي كان على الطائرة». وتصر أنقرة التي قامت بتفتيش الطائرة قبل أن تسمح لها باستئناف رحلتها بعد نحو 7 ساعات من التوقف في أنقرة، بأنها عثرت على معدات عسكرية قامت بمصادرتها، وقال نائب رئيس الوزراء التركي بكير بوزداغ: «إنه لا لبس في أن المواد التي تم التحفظ عليها ممنوع حملها على متن الطائرات المدنية ولم يتم الكشف عنها لسلطات الطيران المدني التركي». وقال وزير المواصلات التركي بن علي يلدرم: «إن تركيا استخدمت حقها في السيادة على أجوائها من أجل التأكد من عدم تهريب أسلحة إلى سورية وفق القوانين الدولية للملاحة المدنية». أما وزير الخارجية أحمد داود أوغلو فرفض الإفصاح عن الجهة التي قدمت المعلومات لتركيا قائلاً رداً على سؤال بهذا الخصوص إنه لا يستطيع الكشف عن تلك الجهة، وهو الجواب الذي فسرته وسائل الإعلام التركية على أن مصدر المعلومات كان خارجياً على الأرجح من أميركا أو بريطانيا. وقال داود أوغلو إن تركيا صادرت «شحنة مشبوهة» من الطائرة. ونقلت وكالة أنباء الأناضول عن داود أوغلو قوله: «هناك شحنة غير قانونية على متن الطائرة كان يفترض أن يتم التبليغ عنها». وأضاف «هناك مكونات في الطائرة يمكن وصفها بأنها مثيرة للشبهة»، لكنه رفض إضافة أية تفاصيل. وأرسلت أنقرة طائرتين حربيتين لإجبار طائرة الآرباص أي - 320 على الهبوط في أنقرة. وذكرت قناة تلفزيون «إن تي في» إنه يعتقد أن الشحنة تضم قطع صواريخ بينما قالت محطة «تي آر تي» الحكومية إنها معدات اتصال مرسلة إلى دمشق. وأكد وزير الخارجية التركي أن «الحادث لن يؤثر في العلاقات التركية - الروسية». وبعد الحادث، حذرت تركيا شركات الطيران التركية من دخول المجال الجوي السوري تفادياً لتعرضها لإجراء انتقامي محتمل، وفق قناة «إن تي في» التركية. وأدى هذا التحذير إلى توقف لبعض الوقت في حركة الطيران وتغيير وجهات. وكانت تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي والتي تدعم المقاتلين السوريين وتؤوي حوالى مئة ألف لاجئ سوري على أراضيها قطعت علاقاتها مع نظام دمشق. وقد عززت وجودها العسكري على الحدود التي يبلغ طولها 900 كلم مع سورية مع نشر بطاريات مدفعية ودبابات خصوصاً. واعتبرت المعارضة البرلمانية التركية أن حكومة العدالة والتنمية بقيادة أردوغان وقعت في فخ نصبه لها حلفاؤها في الغرب من أجل منع مساعي أنقرة لإزالة الخلافات بينها وبين موسكو وزيادة التوتر بينهما. وأشارت مصادر المعارضة إلى زيادة التوتر في شكل متصاعد على الحدود السورية - التركية منذ بدء الترتيب لزيارة بوتين أنقرة، تبعها الإعلان عن صفقة أسلحة روسية إلى بغداد أغضبت الغرب، فيما كانت أنقرة تأمل في تقارب وجهات النظر مع روسيا بعد اقتراحها اسم فاروق الشرع لتولي المرحلة الانتقالية في سورية، وهو ما اعتبرته المعارضة التركية تراجعاً قوياً عن موقف حكومة العدالة والتنمية السابق الرافض تماماً لبقاء أو مشاركة حزب البعث في مستقبل سورية الجديد. وأعلنت الخطوط الجوية التركية أنها توقفت عن استخدام المجال الجوي السوري في رحلاتها. ونقلت وكالة أنباء الأناضول عن حمدي توبجو رئيس مجلس إدارة المجلس التنفيذي للخطوط التركية قوله إن «طائرات الخطوط التركية توقفت عن استخدام المجال الجوي السوري منذ أربعة أيام». وأضاف أن «الطائرات ستستمر في تجنب الأجواء السورية وستعتمد خطوط بديلة حتى العثور على خط ثانٍ آمن». ويأتي تعليق الرحلات بعد تبادل قصف حدودي بين تركيا وسورية الأسبوع الماضي إثر مقتل خمسة مدنيين أتراك بقذائف أطلقت من الجانب السوري. وتقول دمشق إن القصف لا يستهدف سورية، لكن تركيا التي أغضبها مقتل مواطنيها، حصلت على إذن من البرلمان لشن عمليات عبر الحدود داخل سورية في «أسوأ السيناريوات». إلى ذلك، أعلن مسؤولون أتراك أن سورية أوقفت قبل أسبوع وارداتها من الطاقة الكهربائية من تركيا بسبب أضرار لحقت بشبكة التوزيع في الحرب التي تمزق البلاد. وقال وزير الطاقة التركي تانر يلديز إن «سورية أوقفت مشترياتها من الكهرباء من تركيا قبل أسبوع». وتابع أن بلاده مستعدة لاستئناف شحناتها إذا طلبت جارتها منها ذلك، مؤكداً أن «هذا الباب يبقى مفتوحاً». وقال يشار أرسلان أحد مدراء شركة الكهرباء التركية الخاصة المكلفة التصدير إلى سورية إن هذا الانقطاع ناجم عن «تدمير شبكة التوزيع السورية». وزاد في تصريحات لوكالة أنباء الأناضول أن «شحناتنا ستستأنف فور حل هذه المشكلة ونحن مستعدون لمدهم بالكهرباء عندما يرغبون في ذلك». وكانت أنقرة التي تزود سورية بحوالى 20 في المئة من الطاقة التي تستهلكها، هددت دمشق في كانون الثاني (يناير) الماضي بقطع إمدادها بالكهرباء بعد إسقاط طائرة حربية تركية بالدفاعات الجوية السورية. ورداً على سؤال لفرانس برس قال مسؤول تركي في قطاع الطاقة إن «هذا الأمر عائد إلى السلطات السورية».